وهو قيام الأمارة على الخلاف ، ففيه : أنّ هذا تصويب منسوب إلى المعتزلة ، وهو وإن لم يكن كسابقه في الشناعة ، إلاّ أنّه أيضاً فاسد بالاجماع والروايات ، كما تقدّم مراراً (١).
وإن كان مراده أنّ الحكم الواقعي ثابت مع قطع النظر عن قيام الأمارة على نحو الاهمال ـ فلا يكون مطلقاً حتّى يلزم التضاد ، ولا مقيداً بالعلم كي يلزم التصويب ـ ففيه : ما ذكرناه مراراً من أنّ الاهمال في مقام الثبوت غير معقول (٢) ، فلا مناص من أن يكون مطلقاً ، فيلزم محذور اجتماع الضدّين ، أو مقيداً فيلزم التصويب.
وأمّا ما ذكره من أنّ الحكم الواقعي إنشائي ، فإن أراد منه الانشاء المجرد عن داعي البعث والزجر ، كما إذا كان بداعي الامتحان أو الاستهزاء أو غيرهما ، ففيه : أنّ الالتزام بذلك نفي للحكم الواقعي حقيقةً ، إذ الانشاء بلا داعي البعث والزجر لا يكون حكماً ، وإنّما يكون مصداقاً لما كان داعياً إلى الانشاء ، من الامتحان والاستهزاء ونحوهما ، وعليه فالتصويب باقٍ بحاله. مضافاً إلى أنّه إذا لم يكن الانشاء بداعي البعث والزجر ، ولم يكن الحكم الواقعي حكماً حقيقياً ، لاتجب موافقته ولا تحرم مخالفته ، فلا يبقى مجال لوجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية قبل الفحص ، ولا لاستحبابه بعده فيها وفي الشبهات الموضوعية مطلقاً ، بل لا يبقى مورد للفحص ، إذ ليس هناك حكم يجب الفحص عنه. وكل ذلك خلاف المتسالم عليه بين الفقهاء ، ومنهم صاحب الكفاية قدسسره نفسه.
وإن أراد منه الانشاء بداعي البعث والزجر ، فهذا هو الحكم الفعلي من قبل
__________________
(١) راجع محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٨٦ ـ ٨٧
(٢) راجع محاضرات في اصول الفقه ١ : ٥٣٤