كقولك : إن ركب الأمير وكان ركوبه يوم الجمعة فخذ ركابه ، فتدل القضيّة على المفهوم بالنسبة إلى الجزء الذي لا يتوقف عليه الجزاء عقلاً ، دون الجزء الآخر الذي يتوقف عليه الجزاء عقلاً. وقد ظهر وجه ذلك كلّه ممّا تقدّم.
وليعلم أنّ تميّز الجزء الذي اخذ موضوعاً للحكم في مقام الاثبات عن الجزء الذي علّق عليه الحكم إنّما هو بالاستظهار من سياق الكلام بحسب متفاهم العرف ، فانّ الظاهر من قولك : إن جاءك زيد فاكرمه ، أنّ الموضوع هو زيد ، ومجيئه ممّا علّق عليه وجوب إكرامه ، وينعكس الأمر فيما إذا قلت : إن كان الجائي زيداً فأكرمه ، فانّ الظاهر منه أنّ الجائي هو الموضوع وكونه زيداً شرط لوجوب إكرامه وهكذا في سائر الأمثلة.
إذا عرفت ذلك ظهر لك أنّ الشرط في الآية المباركة ـ بحسب التحليل ـ مركب من جزأين : النبأ ، وكون الآتي به فاسقاً ، ويكون أحدهما وهو النبأ موضوعاً للحكم المذكور في الجزاء ، لتوقفه عليه عقلاً ، فلا مفهوم للقضيّة بالنسبة إليه ، والجزء الآخر وهو كون الآتي به فاسقاً ممّا لا يتوقف عليه الجزاء عقلاً ، فتدل القضيّة على المفهوم بالنسبة إليه ، ومفاده عدم وجوب التبين عنه عند انتفاء كون الآتي به فاسقاً وهو المطلوب (١).
__________________
(١) ما ذكره (دام ظلّه) من التفصيل وإن كان متيناً جداً ، إلاّأنّ تطبيق تركب الشرط من جزأين على الآية الشريفة لا يخلو من تأمّل ، فانّ المراد هو التركيب المستفاد من ظاهر الجملة الشرطية كما مثّل له (دام ظلّه) لا بحسب التحليل ، لأنّ التحليل يمكن في كل شرط ، فالشرط في قول المولى : إن جاءك زيد فأكرمه ، أمر واحد وبحسب التحليل أمران : زيد ومجيؤه ، نظير النبأ ومجيء الفاسق به. والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الآية الشريفة لا دلالة لها على المفهوم ، فانّ التبيّن عند عدم مجيء الفاسق بنبأ منتفٍ بانتفاء موضوعه كما اعترف به سيّدنا الاستاذ (دام ظلّه) فيما سيأتي من كلامه في الدورة السابقة. وعليه لا يبقى شيء تحت الثاني أو يكون الباقي قليلاً جدّاً