الأمر في الآية إرشادياً ، إذ الواجب عقلاً هو العمل بالعلم ، والمستفاد من الآية هو تحصيل العلم لا العمل به.
وثانياً : أنّ التبين المذكور في الآية ليس بمعنى العلم ليلزم كون الأمر إرشادياً ، ولا بمعنى الوثوق ليلزم خروج المورد عن المنطوق ، بل المراد منه المعنى اللغوي وهو الظهور ، كما يقال إنّ الشيء تبين إذا ظهر ، فالأمر بالتبين أمر بتحصيل الظهور وكشف الحقيقة في النبأ الذي جاء به الفاسق ، وهو كناية عن عدم حجّية خبر الفاسق في نفسه ، فيجب عند إرادة العمل بخبره تحصيل الظهور وكشف الواقع من الخارج. ومن الظاهر أنّ ظهور الشيء بطبعه إنّما هو بالعلم الوجداني ، وأمّا غيره فيحتاج إلى دليل يدل على تنزيله منزلة العلم ، ومفهوم الآية عدم وجوب التبين في خبر العادل ، فيدل بالملازمة العرفية على حجّيته ، فيكون ظاهراً بنفسه بلا احتياج إلى تحصيل الظهور من الخارج ، فلو كنّا نحن والآية الشريفة لم نعمل بخبر الفاسق في شيء من الموارد بمقتضى المنطوق ، وعملنا بخبر العادل في جميع الموارد بمقتضى المفهوم. إلاّ أنّه في كل مورد ثبتت حجّية خبر الثقة فيه كما في الأحكام الشرعية ، إذ قد ثبتت حجّيته فيها بالسيرة القطعية الممضاة عند الشارع ، على ما سيجيء الكلام فيها قريباً (١) إن شاء الله تعالى ، بل في الموضوعات أيضاً إلاّفيما اعتبرت فيه البيّنة الشرعية ، كما في موارد الترافع مثلاً.
فيستكشف من دليل حجّية خبر الثقة أنّ الشارع قد اعتبره ظهوراً ، فلا يلزم منه رفع اليد عن المنطوق ، لأنّ مفاد المنطوق تحصيل الظهور عند العمل بخبر الفاسق ، وبعد كون خبر الثقة حجّة في مورد بحكم الشارع يحصل الظهور به في ذلك المورد ، وفي كل مورد ثبت من الشرع اعتبار البيّنة الشرعية وعدم
__________________
(١) في ص ٢٢٩