هذا كلّه مضافاً إلى أنّه ليس المراد من التبين خصوص العلم ولا خصوص الوثوق ، بل المراد منه هو الجامع الأعم منهما ، على ما سيجيء تحقيقه قريباً (١) إن شاء الله تعالى.
الوجه الثالث من الاشكال : أنّ مورد الآية هو الاخبار بارتداد بني المصطلق ، ولا إشكال في عدم صحّة الاعتماد على خبر العدل الواحد في ارتداد شخص واحد فضلاً عن ارتداد جماعة ، فلو كان للآية الشريفة مفهوم لزم خروج المورد ، وهو أمر مستهجن لا يمكن الالتزام به ، فيستكشف من ذلك أنّه لا مفهوم لها.
وأجاب عنه شيخنا الأنصاري (٢) قدسسره بما حاصله : أنّ الموضوع لوجوب التبين عن النبأ هو طبيعي الفاسق ، فيشمل الواحد والاثنين والأكثر ، ما لم يصل إلى حدّ التواتر ، فيكون الموضوع في المفهوم أيضاً طبيعي العادل ، وإطلاقه وإن كان يشمل الواحد والأكثر ، إلاّ أنّه يرفع اليد عن الاطلاق في خصوص المورد ويقيد بالمتعدد ، وليس فيه خروج المورد عن المفهوم.
وأورد عليه بعض الأعاظم (٣) بأ نّه إن كان التبين بمعنى العلم ، كان العمل به واجباً عقلاً ، فيكون الأمر به إرشادياً لا مفهوم له على ما تقدّم (٤) ، وإن كان بمعنى الوثوق لزم خروج المورد من منطوق الآية ، ضرورة عدم جواز الاعتماد على خبر الفاسق الموثوق به في الارتداد ، وخروج المورد أمر مستهجن كما تقدّم.
وفيه أوّلاً : ما تقدّم من أنّه لو كان المراد من التبين هو العلم لا يلزم كون
__________________
(١) في آخر الصفحة
(٢) فرائد الاصول ١ : ١٧٢
(٣) لاحظ نهاية الأفكار ٣ : ١١٧
(٤) في الوجه الثاني من الإشكال