مثل قوله تعالى : «إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً» (١) بأن يقال إلاّالظن الفلاني فانّه يغني من الحق. وعليه فلا يكون مفادها حكماً مولوياً ليكون ردعاً عن السيرة.
وإن شئت قلت : إنّ مفاد الآيات هو الارشاد إلى حكم العقل بدفع الضرر المحتمل إن كان اخروياً ، ويكون الخبر بعد قيام السيرة على حجّيته خارجاً عن الآيات بالورود ، كسائر الأمارات المعتبرة ، لعدم احتمال العقاب مع العمل بما هو حجّة ، ولو على تقدير مخالفتها للواقع ، فحال الخبر بعد قيام السيرة على العمل به مع الآيات بعد كونها إرشاداً إلى حكم العقل حال الأمارات مع الاصول العملية العقلية ، فكما أنّها واردة عليها ، كذلك الخبر وارد على الآيات.
وثالثاً : أنّا لو أغمضنا عن ذلك ، وقلنا بأنّ مفاد الآيات حكم مولوي وهو حرمة العمل بغير العلم ، نقول : إنّ السيرة حاكمة على الآيات ، لأنّ العمل بالحجج العقلائية القائمة على العمل بها سيرة العقلاء لا يكون عملاً بغير العلم في نظر العرف والعقلاء ، ولذا لم يتوقف أحد من الصحابة والتابعين وغيرهم في العمل بالظواهر ، مع أنّ الآيات الناهية عن العمل بغير العلم بمرأىً منهم ومسمع وهم من أهل اللسان ، وليس ذلك إلاّلأجل أنّهم لا يرون العمل بالظواهر عملاً بغير العلم بمقتضى قيام سيرة العقلاء على العمل بها ، وحال خبر الثقة هي حال الظواهر من حيث قيام السيرة على العمل به ، فكما أنّ السيرة حاكمة على الآيات بالنسبة إلى الظواهر ، كذلك حاكمة عليها بالنسبة إلى خبر الثقة.
فتحصّل ممّا ذكرناه في المقام : أنّ العمدة في حجّية الخبر هي السيرة ، ولا يرد على الاستدلال بها شيء من الاشكال.
__________________
(١) يونس ١٠ : ٣٦