ولا يخفى أنّ مقتضى السيرة حجّية الصحيحة والحسنة والموثقة ، فانّها قائمة على العمل بهذه الأقسام الثلاثة ، فإذا بلغ أمر المولى إلى عبده بنقل عادل ، أو بنقل إمامي ممدوح لم يظهر فسقه ولا عدالته ، أو بنقل ثقة غير إمامي ، لا يكون العبد معذوراً في مخالفة أمر المولى في نظر العقلاء. نعم ، الخبر الضعيف خارج عن موضوع الحجّية ، لأنّ العقلاء لا يعملون به يقيناً ، مع أنّ الشك في قيام السيرة على العمل به كافٍ في الحكم بعدم حجّيته.
وأمّا توهّم أنّ إطلاق آية النفر يشمل الخبر الضعيف أيضاً ، حيث إنّ مفادها وجوب الحذر عند الانذار بلا تقييد بكون المنذر عادلاً أو ثقة ، فمدفوع بأنّ الآية الشريفة منزّلة على المتعارف بين العرف والعقلاء ، وهم لا يعملون بخبر الفاسق الكاذب. هذا على تقدير كون الآية واردة في مقام جعل حجّية الخبر.
وأمّا على تقدير كونها كاشفة عن حجّية الخبر قبل نزولها ، وأنّ تفريع وجوب الحذر عند الانذار إنّما هو من باب التطبيق كما تقدّمت الاشارة إليه حين الاستدلال بالآية (١) فالأمر واضح ، إذ ليس مفادها حينئذ جعل الحجّية ليتمسك باطلاقها ، بل مفادها كون حجّية الخبر مفروغاً عنها قبل نزول الآية بمقتضى السيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع ، فالمتبع في توسعة موضوع الحجّية وضيقه هي السيرة ، وقد تقدّم أنّ السيرة لم تقم على العمل بخبر الضعيف.
نعم ، الخبر الموجب للوثوق والاطمئنان الشخصي يجب العمل به وإن كان ضعيفاً في نفسه ، وليس ذلك لأجل حجّية الخبر الضعيف ، بل لأنّ الاطمئنان المعبّر عنه بالعلم العادي حجّة وإن كان حاصلاً ممّا لا يكون حجّة في نفسه كخبر الفاسق أو خبر الصبي مثلاً.
__________________
(١) تقدّم في ص ٢١٦