أدلة نفي الحرج والضرر ، بقرينة ما في بعض الروايات (١) من أنّه لا ضرر في الاسلام أو في الدين ، فانّه ظاهر في نفي تشريع الحكم الضرري في دين الاسلام ، وكذا قوله تعالى : «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (٢). فإذن تكون قاعدة نفي الحرج حاكمة على قاعدة الاحتياط على ما تقدّم تقريبه عند نقل كلام الشيخ قدسسره.
وأمّا ثانياً : فلأنّ قاعدة نفي الحرج والضرر حاكمة على قاعدة الاحتياط في مثل المقام ، ممّا كانت أطراف الشبهة من التدريجيات ، ولو على مسلك صاحب الكفاية قدسسره لأنّ الحرج في مثل ذلك يكون في الأفراد الأخيرة ويكون فعلها والاتيان بها حرجياً ، فيعلم بعدم ثبوت التكليف فيها ، لأنّ التكليف إن كان في الواقع متعلقاً بالأفراد المتقدمة ، فقد امتثله المكلف على الفرض ، وإن كان متعلقاً بالأفراد الأخيرة كان متعلقه حرجياً فيرتفع بقاعدة نفي الحرج ولو على مسلك صاحب الكفاية قدسسره. مثلاً لو فرض تعلّق النذر بصوم يوم معيّن وتردد بين يوم الخميس ويوم الجمعة مثلاً ، وفرض كون الصوم فيهما حرجياً على الناذر ، فإذا صام يوم الخميس يعلم بعدم وجوب الصوم عليه يوم الجمعة ، لأنّ التكليف من ناحية النذر إن كان متعلقاً بصوم يوم الخميس فقد امتثله على الفرض ، وإن كان متعلقاً بصوم يوم الجمعة فمتعلقه حرجي فعلاً ، فقد ارتفع بقاعدة نفي الحرج. والمقام من هذا القبيل بعينه ، لأنّ الشبهات التي يلزم الحرج أو الضرر من الاحتياط فيها طولية تدريجية لا عرضية ، فلا يكون الاحتياط فيها واجباً على المسلكين على ما عرفت ، فلا تظهر ثمرة بينهما في مثل المقام. نعم ، تظهر الثمرة بينهما فيما كانت الأطراف عرضية
__________________
(١) يأتي التعرّض لها في ص ٦٠٠ و ٦٠١
(٢) الحج ٢٢ : ٧٨