قلت : حمل الهلكة على المفسدة الواقعية ـ مع كونه خلاف الظاهر في نفسه ـ يستلزم التخصيص في الشبهات الموضوعية ، وقد عرفت أنّ الروايات آبية عن التخصيص ، فلا مناص من حمل الهلكة على العقاب كما هو الظاهر في نفسه ، ومعه كان الأمر بالتوقف إرشادياً لا محالة.
لا يقال : سلّمنا كون التعليل ظاهراً في ثبوت الاحتياط مع قطع النظر عن هذه الأخبار ، إلاّأنّ عموم الشبهات لما هو محل الكلام يكشف عن جعل وجوب الاحتياط قبل الأمر بالتوقف الموجود في هذه الأخبار ، فيكون التنجيز لأجله ، لا لأجل وجوب التوقف.
فانّه يقال : إيجاب الاحتياط لو كان واصلاً مع قطع النظر عن أخبار التوقف فهو خلاف المفروض. مضافاً إلى أنّه لا معنى حينئذ لأن تكون أخبار التوقف كاشفةً عنه ، بل يستحيل ذلك ، وإن لم يكن واصلاً امتنع تنجز الواقع به ، فانّ الايجاب الطريقي لا يزيد على الايجاب الواقعي في استحالة الانبعاث عنه قبل وصوله ، فكما أنّ الوجوب الواقعي لا يكفي في التنجز قبل الوصول كذلك الوجوب الطريقي. وعليه كان مورد أخبار التوقف مثل الشبهات قبل الفحص ، أو المقرونة بالعلم الاجمالي ممّا كان الواقع فيه منجّزاً ، مع قطع النظر عن هذه الأخبار.
هذا ، وأجاب شيخنا الأنصاري قدسسره (١) عن هذا الاشكال : بأنّ إيجاب الاحتياط لا يكفي في تنجيز الواقع المجهول ، لأنّه إن كان وجوبه نفسياً فالعقاب يكون على مخالفة نفسه ، لا على مخالفة الواقع. وإن كان غيرياً فلازمه ثبوت العقاب على مخالفة التكليف الواقعي مع فرض عدم وصوله.
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٣٨٤