ويرد عليه : أنّ الوجوب غير منحصر في القسمين ، فانّ وجوب الاحتياط على تقدير ثبوته طريقي ، وبه يتنجز الواقع.
وبما ذكرناه ظهر الجواب عن أخبار التثليث ، فانّ ما ثبت فيه الترخيص ظاهراً من قبل الشارع داخل فيما هو بيّن رشده ، لا في المشتبه كما هو الحال في الشبهات الموضوعية. وبالجملة : المشكوك حرمته كالمشكوك نجاسته ، وكما أنّ الثاني غير مشمول لهذه الأخبار كذلك الأوّل. والملاك في الجميع ثبوت الترخيص المانع من صدق المشتبه على المشكوك فيه حقيقة ، وإن صحّ إطلاقه عليه بالعناية باعتبار التردد في حكمه الواقعي.
الطائفة الثانية : الأخبار الآمرة بالاحتياط ، كقوله عليهالسلام : «أخوك دينك فاحتط لدينك» (١) وقوله (عليه السلام) : «خد بالحائطة لدينك» (٢) وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المعنى.
والصحيح عدم دلالة هذه الأخبار أيضاً على وجوب الاحتياط في المقام لوجهين :
الوجه الأوّل : أنّ حسن الاحتياط ممّا استقلّ به العقل ، وظاهر هذه الأخبار هو الارشاد إلى هذا الحكم العقلي ، فيكون تابعاً لما يرشد إليه ، وهو يختلف باختلاف الموارد ، ففي بعضها كان الاحتياط واجباً كما في الشبهة قبل الفحص والمقرونة بالعلم الاجمالي ، وفي بعضها كان مستحباً كما في الشبهة البدوية بعد الفحص ، وهي محل الكلام فعلاً.
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ١٦٧ / أبواب صفات القاضي ب ١٢ ح ٤٦ (في الطبعة القديمة ح ٤١)
(٢) الوسائل ٢٧ : ١٦٦ و ١٦٧ / أبواب صفات القاضي ب ١٢ ح ٤٢ (باختلاف يسير ، في الطبعة القديمة ح ٣٧)