هذا ، ويمكن أن يجاب عن هذا الاستدلال أوّلاً : بالنقض بالشبهات الوجوبية والموضوعية ، فانّ هذا العلم لو كان مانعاً عن الرجوع إلى البراءة في الشبهات الحكمية التحريمية ، كان مانعاً عن الرجوع إليها فيها أيضاً ، مع أنّ الأخباريين لا يقولون بوجوب الاحتياط فيها. وثانياً : بالحل وهو أنّ العلم الاجمالي بتكاليف واقعية ينحل بقيام الأمارات على تكاليف إلزامية بمقدار المعلوم بالاجمال.
وتوضيحه : أنّ لنا هنا ثلاثة علوم إجمالية : الأوّل : العلم الكبير ، وأطرافه جميع الشبهات ممّا يحتمل التكليف ، ومنشؤه العلم بالشرع الأقدس ، إذ لا معنى للشرع الخالي عن التكليف رأساً. الثاني : العلم الاجمالي المتوسط ، وأطرافه موارد قيام الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة ، ومنشؤه كثرة الأمارات والقطع بمطابقة بعضها للواقع ، فانّا لا نحتمل مخالفة جميعها للواقع. الثالث : العلم الاجمالي الصغير ، وأطرافه موارد قيام الأمارات المعتبرة ، ومنشؤه القطع بمطابقة مقدار منها للواقع.
وحيث إنّ العلم الاجمالي الأوّل ينحل بالعلم الاجمالي الثاني ، والثاني بالثالث ، فلا يتنجز التكليف في غير مؤديات الطرق والأمارات المعتبرة. والميزان في الانحلال أن لا يكون المعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي الصغير أقل عدداً من المعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي الكبير ، بحيث لو أفرزنا من أطراف العلم الاجمالي الكبير مقدار المعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي الصغير ، لم يبق لنا علم إجمالي في بقية الأطراف. مثلاً إذا علمنا اجمالاً بوجود خمس شياه مغصوبة في قطيع من الغنم ، وعلمنا أيضاً بوجود خمس شياه مغصوبة في جملة البيض من هذا القطيع ، فلا محالة ينحل العلم الاجمالي الأوّل بالعلم الاجمالي الثاني ، فانّا لو أفرزنا خمس شياه بيض لم يبق لنا علم إجمالي بمغصوبية البقية ، لاحتمال