واختار المحقق النائيني قدسسره (١) في بحث دوران الأمر بين شرطية شيء ومانعيته تقديم محتمل الأهمّية ، وذكر في وجه ذلك : أنّ كل تكليف واصل إلى المكلف يقتضي أمرين : لزوم الامتثال وإحرازه. وعليه فالوجوب المعلوم بالاجمال في المقام كما يقتضي إيجاد متعلقه ، كذلك يقتضي إحراز الايجاد باتيان كلا الفعلين ، وكذا الحرمة المعلومة بالاجمال تقتضي ترك متعلقها وتقتضي إحرازه بترك كلا الفعلين ، وهذان الحكمان وإن لم يكن بينهما تزاحم من ناحية أصل الامتثال ، إذ المفروض تغاير متعلقي الوجوب والحرمة وتمكن المكلف من إيجاد الواجب وترك الحرام ، إلاّ أنّهما متزاحمان من ناحية إحراز الامتثال ، إذ قد عرفت أنّ إحراز امتثال الوجوب يستدعي الاتيان بكلا الفعلين ، وإحراز امتثال الحرمة يقتضي ترك كليهما ، فلا يمكنه إحراز امتثالهما معاً. وقد عرفت أيضاً أنّ إحراز الامتثال من مقتضيات التكليف بحكم العقل ، فكما أنّ عدم القدرة على الجمع بين ما يقتضيه الوجوب من الفعل وما تقتضيه الحرمة من الترك يوجب التزاحم بينهما ، كذلك عدم القدرة على الجمع بين ما يقتضيه كل منهما من إحراز الامتثال يوجب التزاحم بينهما أيضاً.
وفيه أوّلاً : النقض بما إذا علم تساوي الحكمين في الأهمّية ، فانّ لازم كونهما من المتزاحمين أن يحكم حينئذ بالتخيير ، فللمكلف أن يختار الوجوب ويأتي بكلا الفعلين ، وله أن يختار الحرمة ويتركهما معاً. مع أنّ المحقق النائيني قدسسره لم يلتزم بذلك (٢) وذهب إلى لزوم الاتيان بأحد الفعلين وترك الآخر حذراً من المخالفة القطعية في أحد التكليفين.
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٥٤٠ ، فوائد الاصول ٤ : ٢٦٣ و ٢٦٤
(٢) المصدر السابق