وثانياً : أنّه لو سلّمنا دخول المقام في باب التزاحم ، لا دليل على لزوم الأخذ بمحتمل الأهمّية في باب التزاحم مطلقاً ليجب الأخذ به في المقام ، إنّما الوجه في ذلك ما أشرنا إليه سابقاً (١) من أنّ الحكمين المتزاحمين لا مناص من الالتزام بسقوط الاطلاق في كليهما أو في أحدهما ، ومن الظاهر أنّ ما لا يحتمل أهمّيته قد علم سقوط إطلاقه على كلا التقديرين ، وأمّا ما احتمل أهمّيته فسقوط إطلاقه غير معلوم ، فلا بدّ من الأخذ به. هذا فيما إذا كان لدليل كل من الحكمين إطلاق لفظي.
وأمّا إذا لم يكن لشيء من الدليلين إطلاق ، فالوجه في تقديم محتمل الأهمّية هو القطع بجواز تفويت ملاك غيره بتحصيل ملاكه. وأمّا تفويت ملاكه بتحصيل ملاك غيره فجوازه غير معلوم ، فتصحّ العقوبة عليه بحكم العقل ، فلا مناص من الأخذ بمحتمل الأهمّية ، وهذان الوجهان لا يجريان في المقام ، إذ المفروض بقاء الاطلاق في كلا الحكمين ، لعدم التنافي بين الاطلاقين ليرفع اليد عن أحدهما ، وعدم ثبوت جواز تفويت الملاك في شيء منهما ، إذ كل ذلك فرع عجز المكلف عن امتثال كلا التكليفين ، والمفروض قدرته على امتثالهما لتغاير متعلق الوجوب والحرمة على ما تقدّم.
وأمّا ما ذكره قدسسره من حكم العقل بلزوم إحراز الامتثال ، فهو مشترك فيه بين جميع التكاليف الالزامية ، من غير فرق بين ما كان في أعلى مراتب الأهمّية ، وما كان في أضعف مراتب الالزام ، فلا موجب لتقديم محتمل الأهمّية على غيره والحكم بلزوم موافقته القطعية وإن استلزمت المخالفة القطعية للتكليف الآخر.
__________________
(١) في ص ٣٨٧