فانّ اعتبارها علماً مع التحفظ على الشك المأخوذ في موضوعها اعتبار للجمع بين النقيضين ، فلم يعتبر في مواردها إلاّالبناء العملي مدفوع بأنّ الشك المأخوذ في موضوع الاصول هو الشك الوجداني ، والعلم تعبدي ، ولا تنافي بينهما أصلاً ، إنّما التنافي بين الشك الوجداني والعلم الوجداني لا بين الشك الوجداني والعلم التعبدي ، كيف ولو كان هذا جمعاً بين النقيضين لزم التناقض في جميع موارد التنزيل كقوله عليهالسلام المروي : «الفقاع خمر استصغره الناس» (١) وقوله صلىاللهعليهوآله المروي في روايات العامّة : «الطواف بالبيت صلاة» (٢) فيقال كيف يمكن أن يكون الفقّاع خمراً مع أنّه غيرها ، وكيف يمكن أن يكون الطواف صلاة مع أنّه غيرها. والجواب هو ما ذكرناه ، فانّ الفقّاع فقّاع بالوجدان وخمر بالتعبّد ، ولا منافاة بينهما ، وكذا الطواف مع كونه غير الصلاة بالوجدان صلاة بالتعبد ، ولا منافاة بينهما أصلاً.
هذا مضافاً إلى أنّه لو كان هذا مانعاً عن قيام الاصول مقام القطع ، لمنع عن قيام الأمارات أيضاً مقام القطع ، إذ لا فرق بين الاصول والأمارات من هذه الجهة ، فانّ الأمارات أيضاً قد اخذ في موضوعها الشك ، غاية الأمر أنّ الاصول قد اخذ الشك في موضوعها في لسان الدليل اللفظي ، وفي الأمارات قد ثبت ذلك بالدليل اللبي ، بيانه :
أنّ الاهمال في مقام الثبوت غير معقول كما ذكرناه غير مرّة (٣) فامّا أن تكون الأمارات حجّة مع العلم بموافقتها للواقع ، ولا خفاء في أنّ جعل الحجّية للأمارات حين العلم بالواقع لغو محض ، إذ الاستناد ـ حينئذ ـ إلى العلم لا إلى الأمارة ،
__________________
(١) الوسائل ٢٥ : ٣٦٥ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٢٨ ح ١ (باختلاف يسير)
(٢) سنن النسائي ٥ : ٢٢٢ ، المستدرك ٩ : ٤١٠ / أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٢
(٣) راجع محاضرات في اصول الفقه ١ : ٥٣٤