وإمّا أن تكون حجّة مع العلم بمخالفتها للواقع ، وهذا أفحش من سابقه كما هو ظاهر. وكذا لا يمكن أن يكون الموضوع هو الجامع بينهما ، أي مطلق العالم إمّا بالموافقة أو بالمخالفة ، كما لا يمكن أن يكون الموضوع هو الجامع بين العالم بالموافقة أو بالمخالفة والشاك ، فتعيّن أن يكون الموضوع هو خصوص الشاك.
هذا مضافاً إلى أنّه قد اخذ الشك في موضوع بعض الأمارات في لسان الدليل اللفظي أيضاً ، كقوله تعالى : «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (١).
فتحصّل : أنّ حال الاصول المحرزة هي حال الأمارات في أنّها تقوم مقام القطع الطريقي والقطع المأخوذ في الموضوع بنحو الطريقية. نعم ، يستثنى من ذلك ما لو التزمنا فيه بقيام الأصل مقام القطع المأخوذ في الموضوع بنحو الطريقية ، لزم الغاء اعتبار القطع رأساً ، كما في العلم المأخوذ في ركعات صلاة المغرب والصبح والركعتين الاوليين من الصلوات الرباعية ، فانّ العلم مأخوذ فيها بنحو الطريقية ، ولا يقوم مقامه الاستصحاب ، أي استصحاب عدم الاتيان بالأكثر المعبّر عنه بالبناء على الأقل ، والوجه في ذلك : أنّ الاستصحاب جارٍ في جميع موارد الشك المتعلق بركعات صلاة المغرب والصبح والاوليين من الصلوات الرباعية ، فلو بني على قيام الاستصحاب مقام العلم المأخوذ في الموضوع ، لزم أن يكون اعتبار العلم لغواً ، ولزم إلغاء الأدلة الدالة على اعتبار العلم.
وأمّا الاصول غير المحرزة التي ليس لها نظر إلى الواقع ، بل هي وظائف عملية للجاهل بالواقع ، كالاحتياط الشرعي والعقلي والبراءة العقلية والشرعية ، فعدم قيامها مقام القطع الطريقي والموضوعي واضح ، لأنّها لا تكون محرزة للواقع لا بالوجدان ولا بالتعبد الشرعي.
__________________
(١) النحل ١٦ : ٤٣ ، الأنبياء ٢١ : ٧