صاحب الكفاية قدسسره (١) فيه عدم التنجيز ، بدعوى أنّ الترخيص في بعض الأطراف لأجل الاضطرار لا يجامع التكليف الفعلي على كل تقدير ، فليس في غير ما يختاره المكلّف لرفع اضطراره إلاّاحتمال التكليف ، وهو منفي بالأصل.
واختار شيخنا الأنصاري قدسسره (٢) التنجيز مطلقاً حتّى في صورة تقدّم الاضطرار على حدوث التكليف وعلى العلم به ، وتبعه المحقق النائيني قدسسره (٣) وهو الصحيح ، لأنّ الاضطرار لم يتعلّق بخصوص الحرام كي ترتفع حرمته به ، وإنّما تعلّق بالجامع بينه وبين الحلال على الفرض ، فالجامع هو المضطر إليه وأحدهما مع الخصوصية هو الحرام ، فما هو مضطر إليه ليس بحرام ، وما هو حرام ليس بمضطر إليه ، فلا وجه لرفع اليد عن حرمة الحرام المعلوم بالاجمال لأجل الاضطرار إلى الجامع ، كما لو اضطرّ إلى شرب أحد الماءين مع العلم التفصيلي بنجاسة أحدهما المعيّن ، فهل يتوهّم رفع الحرمة عن الحرام المعلوم تفصيلاً لأجل الاضطرار إلى الجامع.
والمقام من هذا القبيل لعدم الفرق بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي من هذه الجهة ، وهذا أعني تعلّق الاضطرار بالجامع هو الفارق بين هذا المقام والمقام السابق ، فانّ الاضطرار هناك كان متعلقاً بأحدهما المعيّن ، وهو رافع للحرمة على تقدير ثبوتها مع قطع النظر عن الاضطرار ، بخلاف المقام فانّ الاضطرار فيه لم يتعلّق إلاّبالجامع ، والاضطرار إلى أحد الأمرين من الحرام أو الحلال لا يوجب رفع الحرمة عن الحرام كما تقدّم بيانه ، غاية الأمر أنّ وجوب الموافقة
__________________
(١) كفاية الاصول : ٣٦٠
(٢) فرائد الاصول ٢ : ٤٢٥
(٣) أجود التقريرات ٣ : ٤٥٩ ، فوائد الاصول ٤ : ٩٨