التقييد ، إلاّ أنّه حيث تكون إحدى الخصوصيتين مجرىً للأصل دون الاخرى ، كان جريان الأصل في إحداهما في حكم الانحلال ، لما ذكرناه غير مرّة (١) من أنّ تنجيز العلم الاجمالي متوقف على تعارض الاصول في أطرافه وتساقطها ، فبعد العلم بوجوب الأقل بنحو الاهمال الجامع بين الاطلاق والتقييد وإن لم يكن لنا علم باحدى الخصوصيتين حتّى يلزم الانحلال الحقيقي ، إلاّ أنّه حيث يكون التقييد مورداً لجريان الأصل بلا معارض كان جريانه فيه مانعاً عن تنجيز العلم الاجمالي فيكون بحكم الانحلال. وهذا الانحلال الحكمي لا يكون في المتباينين ، لعدم جريان الأصل في واحد منهما لابتلائه بالمعارض ، فانّ الأصلين في المتباينين يتساقطان للمعارضة ، وهذا هو الفارق بين المقامين.
ومنها : ما ذكره صاحب الكفاية أخذاً من كلام الشيخ (٢) قدسسره وهو أنّ الأحكام الشرعية تابعة للملاكات في متعلقاتها من المصالح والمفاسد على ما هو الحق من مذهب العدلية ، وحيث إنّه يجب تحصيل غرض المولى بحكم العقل ، فلا مناص من الاحتياط والاتيان بالأكثر ، إذ لا يعلم بحصول الغرض عند الاقتصار بالأقل لاحتمال دخل الأكثر في حصوله.
وأجاب شيخنا الأنصاري قدسسره عن هذا الاشكال بجوابين :
الأوّل : أنّ الكلام في جريان البراءة وعدمه في المقام لا يكون مبتنياً على مذهب العدلية القائلين بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها بل عام.
الثاني : أنّ الغرض ممّا لا يمكن القطع بحصوله في المقام على كل تقدير. أمّا على تقدير الاتيان بالأقل فلاحتمال دخل الأكثر في حصوله. وأمّا على تقدير
__________________
(١) راجع على سبيل المثال ص ٤٠٤
(٢) كفاية الاصول : ٣٦٤ وفرائد الاصول ٢ : ٤٦١