وهذا الوجه ممّا لا بأس به في مقام الثبوت ، إلاّ أنّه يحتاج في مقام الاثبات إلى الدليل ، وقد ثبت ذلك في الصلاة ، فانّ الأمر بالأركان فيها مطلق بالنسبة إلى عامّة المكلفين ، وأمّا بقية الأجزاء والشرائط فالأمر بها مختص بحال الذكر بمقتضى حديث «لا تعاد الصلاة إلاّمن خمسة» (١) وغيره من النصوص الواردة في موارد خاصّة. وعليه فالناسي وإن كان غير ملتفت إلى نسيانه إلاّ أنّه ملتفت إلى أنّ ما يأتي به هو المأمور به ، فيأتي به بما أنّه المأمور به غاية الأمر أنّه يتخيّل أنّ ما يأتي به مماثل لما يأتي به غيره من الذاكرين ، وأنّ الأمر المتوجه إليه هو الأمر المتوجه إليهم. وهذا التخيّل ممّا لا يضر بصحّة العمل بعد وجود الأمر الفعلي في حقّه ومطابقة المأتي به للمأمور به ، وإن لم يكن الناسي ملتفتاً إلى كيفية الأمر. ولعل هذا هو مراد الشيخ (٢) قدسسره فيما أفاده في المقام من إمكان توجيه الخطاب إلى الناسي والحكم بصحّة عمله ، وإن كان مخطئاً في التطبيق ، فلا يرد عليه ما ذكره المحقق النائيني (٣) قدسسره من أنّ الخطأ في التطبيق إنّما يعقل فيما إذا أمكن جعل كل من الحكمين في نفسه ، وكان الواقع أحدهما وتخيّل المكلف أنّه الآخر ، كما إذا أتى المكلف بعمل باعتقاد أنّه واجب فبان كونه مستحباً أو بالعكس. وهذا بخلاف المقام لأنّ تكليف الناسي مستحيل في مقام الثبوت ، فكيف يمكن إدراجه في كبرى الخطأ في التطبيق. فتحصّل : أنّ الصحيح إمكان توجيه التكليف إلى الناسي في مقام الثبوت وإثباته يحتاج إلى دليل.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى أصل البحث ونقول : إنّ الكلام تارةً يكون فيما
__________________
(١) الوسائل ١ : ٣٧١ و ٣٧٢ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨
(٢) حكاه المحقق النائيني عنه (قدسسرهما)
(٣) أجود التقريرات ٣ : ٥١٨ ، فوائد الاصول ٤ : ٢١١ و ٢١٢