الاحتمال الثالث : أن تكون كلمة «من» زائدة كما في قوله تعالى : «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ» (١) أو تكون للتعدية بمعنى الباء وكلمة «ما» مصدرية زمانية ، فيكون حاصل المعنى أنّه إذا أمرتكم بشيء فائتوا به حين استطاعتكم ، فلا يستفاد من الرواية إلاّاشتراط التكليف بالقدرة الساري في جميع التكاليف الشرعية. وهذا المعنى ممّا لا مناص من الالتزام به بعد عدم إمكان الالتزام بالاحتمالين الأوّلين ، وعليه فلا مجال للاستدلال بالرواية على قاعدة الميسور.
الرواية الثانية : هي المرسلة المحكية عن كتاب العوالي أيضاً عن أميرالمؤمنين عليهالسلام أنّه قال : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٢) وتقريب الاستدلال بها أنّ لفظة كل المذكورة في الرواية مرّتين أمرها دائر بحسب مقام التصوّر بين صور أربع : الاولى : أن يكون المراد بها في كلتا الفقرتين العموم الاستغراقي.
الثانية : أن يكون المراد بها فيهما العموم المجموعي. الثالثة : أن يكون المراد بها في الفقرة الاولى العموم الاستغراقي وفي الثانية العموم المجموعي. الرابعة : عكس الثالثة.
أمّا الصورة الاولى والثانية فلا يمكن الالتزام بهما ، إذ لا يعقل الحكم بوجوب الاتيان بكل فرد فرد ، مع تعذّر الاتيان بكل فرد فرد. وكذا الحكم بوجوب الاتيان بالمجموع مع تعذّر الاتيان بالمجموع. وكذا لايمكن الالتزام بالصورة الثالثة إذ لايعقل وجوب الاتيان بالمجموع مع تعذّر الاتيان بكل فرد فرد ، فتعيّن الالتزام بالصورة الرابعة ، فيكون المراد النهي عن ترك الجميع عند تعذّر المجموع ، فيكون
__________________
(١) النور ٢٤ : ٣٠
(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ح ٢٠٧