مفاد الرواية أنّه إذا تعذّر الاتيان بالمجموع لا يجمع في الترك ، بل يجب الاتيان بغير المتعذر ، وهذا المعنى يشمل الكلّي الذي له أفراد متعددة تعذّر الجمع بينها ، والكل الذي له أجزاء مختلفة الحقيقة قد تعذّر بعضها ، لأنّ العام إذا لوحظ بنحو العموم المجموعي لايفترق الحال بين كون أجزائه متفقة الحقيقة أو مختلفة الحقيقة.
وعليه فكلّما كان الواجب ذا أفراد أو ذا أجزاء وجب الاتيان بغير المتعذر من أفراده أو أجزائه.
ولا يخفى أنّه لا يفترق الحال في الاستدلال بهذه الرواية بين أن تكون «لا» في قوله عليهالسلام «لا يترك» ناهية والجملة إنشائية ، أو تكون نافية والجملة خبرية اريد بها الانشاء والطلب ، فانّه كثيراً ما يعبّر عن المطلوب بلفظ الخبر رغبة في وقوعه. هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بهذه الرواية.
واستشكل صاحب الكفاية (١) قدسسره على الاستدلال بها بأنّ ظهور النهي في التحريم يعارضه إطلاق الموصول الشامل للمستحبات أيضاً ، وحيث إنّه لا مرجح لأحدهما على الآخر لا يستفاد منها إلاّرجحان الاتيان بما هو المقدور دون وجوبه.
وفيه أوّلاً : ما ذكرناه في مباحث الألفاظ (٢) من أنّ الوجوب ليس داخلاً في مفهوم الأمر ، ولا الحرمة داخلة في مفهوم النهي ، فانّ مفهوم الأمر هو الطلب والوجوب إنّما هو بحكم العقل ، فانّ العقل بعد صدور الطلب من المولى يحكم بلزوم إطاعة المولى ، ويرى العبد مستحقاً للعقاب على ترك ما أمر المولى بفعله وهذا هو معنى الوجوب. وكذا الحرمة إنّما هي بحكم العقل بلزوم الاطاعة وكون
__________________
(١) كفاية الاصول : ٣٧٢
(٢) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٤٨١ ـ ٤٨٣