الأوّل : دعوى الاجماع على ذلك.
وفيه : أنّ اتفاق الفقهاء على وجوب الفحص في الشبهات الحكمية وإن كان مسلّماً ، إلاّ أنّه لا يكون إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليهالسلام لأ نّه معلوم المدرك. فإذن لا بدّ من النظر في المدرك ولا يصحّ الاعتماد بنفس الاتفاق ، فانّه ضمّ قول غير المعصوم إلى مثله.
الثاني : أنّ العلم الاجمالي بثبوت تكاليف إلزامية في الشريعة المقدّسة مانع عن الرجوع إلى البراءة قبل الفحص.
وأورد عليه صاحب الكفاية قدسسره (١) بما حاصله : أنّ موجب الفحص لو كان هو العلم الاجمالي لزم جواز الرجوع إليها قبل الفحص ، بعد انحلاله بالظفر على المقدار المعلوم بالاجمال ، مع أنّه غير جائز قطعاً ، فلا بدّ من أن يكون الوجه لوجوب الفحص أمراً آخر غير العلم الاجمالي. وخلاصة هذا الايراد أنّ الدليل أخص من المدّعي.
وأشكل عليه المحقق النائيني قدسسره (٢) بأنّ المعلوم بالاجمال ذو علامة وتميز ، فالعلم الاجمالي المتعلق به غير قابل للانحلال بالظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال ، لأنّ الواقع قد تنجّز حينئذ بما له من العلامة والتميز ، فكيف يعقل انحلاله قبل الفحص بالظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال ، فانّه إذا علم إجمالاً بدين مردد بين الأقل والأكثر ، مع العلم بكونه مضبوطاً في الدفتر ، فهل يتوهّم أحد جواز الرجوع إلى البراءة في المقدار الزائد على المتيقن قبل الفحص عمّا في الدفتر؟ والمقام كذلك ، فانّ التكاليف المعلومة بالاجمال مضبوطة في الكتب
__________________
(١) كفاية الاصول : ٣٧٥
(٢) أجود التقريرات ٣ : ٥٥٨ و ٥٥٩ ، فوائد الاصول ٤ : ٢٧٩ و ٢٨٠