بالصحّة في حال الجهل فهو إمّا مبني على جواز اجتماع الأمر والنهي ، فيكون المقام من باب التزاحم لا من باب التعارض ، ولا مانع من الحكم بصحّة أحد المتزاحمين في صورة عدم وصول الآخر إلى المكلف وجهله به (١) ، وإمّا ناشئ من الاشتباه في التطبيق والغفلة عن كون العمل مورداً لاجتماع الأمر والنهي (٢). ومن العجيب ما صدر عن المحقق النائيني قدسسره في رسالته العملية (٣) من الفتوى بصحّة الوضوء بماء مغصوب حال الجهل بالغصبية مع كونه ملتفتاً إلى كونه مورداً لاجتماع الأمر والنهي على ما تعرّض له في الاصول. والاجماع المدّعى في مفتاح الكرامة على صحّة الوضوء مع الجهل بالغصبية (٤) ممّا لا مجال للاعتماد عليه ، فانّه إجماع منقول معلوم المدرك.
وربّما يتوهّم في المقام : أنّه لا يمكن الحكم بصحّة الطهارة المائية ولو لم نقل بسراية الحرمة من المسبب إلى السبب ، إذ مع حرمة المسبب لا يمكن القول بوجوب السبب ، ولو لم نقل بحرمته لعدم إمكان اختلاف السبب والمسبب في الوجوب والحرمة ، بأن يكون السبب واجباً والمسبب حراماً ، فلا يمكن القول بوجوب الطهارة المائية الضررية مع حرمة الاضرار بالنفس.
ويدفعه : أنّ عدم إمكان اختلاف السبب والمسبب في الوجوب والحرمة ليس إلاّمن جهة استلزامه التكليف بما لا يطاق لعدم إمكان امتثال أحدهما إلاّ بمخالفة الآخر ، ولا مانع من أن يكون في السبب ملاك الوجوب ، وفي المسبب
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ٣ : ٤٣٨ ـ ٤٣٩
(٢) ذهب إليه في حاشيته على أجود التقريرات ٢ : ١٦٤
(٣) العروة الوثقى (المحشّاة) ١ : ٤٠٥ المسألة ٤
(٤) مفتاح الكرامة ١ : ٣٠٣