التحقيق عدم ثبوت ذلك على إطلاقه ، أي في غير التهلكة وما هو مبغوض في الشريعة المقدّسة كقطع الأعضاء ونحوه ، فانّ العقل لا يرى محذوراً في إضرار الانسان بماله بأن يصرفه كيف يشاء بداعٍ من الدواعي العقلائية ما لم يبلغ حدّ الاسراف والتبذير ، ولا بنفسه بأن يتحمّل ما يضر ببدنه فيما إذا كان له غرض عقلائي ، بل جرت عليه سيرة العقلاء ، فانّهم يسافرون للتجارة مع تضررهم من الحرارة والبرودة بمقدار لو كان الحكم الشرعي موجباً لهذا المقدار من الضرر لكان الحكم المذكور مرفوعاً بقاعدة لا ضرر. وكذا النقل لم يدل على حرمة الاضرار بالنفس ، فانّ أقصى ما يمكن أن يستدل به لحرمة الاضرار بالنفس روايات نتكلّم فيها :
منها : الروايات الدالة على نفي الضرر والضرار. وقد عرفت الحال فيها ، فانّ الفقرة الاولى منها لا تدل على حرمة الاضرار بالغير فضلاً عن الاضرار بالنفس ، بل هي ناظرة إلى نفي الأحكام الضررية في عالم التشريع. والفقرة الثانية منها تدل على حرمة الاضرار بالغير بالأولوية على ما عرفت وجهها ولا تدل على حرمة الاضرار بالنفس بوجه كما تقدّم (١).
ومنها : ما رواه الكليني قدسسره في الكافي عن أبي عبدالله عليهالسلام في حديث طويل من قوله عليهالسلام : «إنّ الله تعالى لم يحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سواه رغبةً منه فيما حرّم عليهم ولا زهداً فيما أحلّ لهم ، ولكنّه خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم ، فأحلّه لهم وأباحه تفضّلاً منه عليهم به لمصلحتهم ، وعلم ما يضرّهم فنهاهم عنه وحرّمه عليهم ـ إلى أن قال
__________________
(١) في ص ٦٢٠