الوجه الأوّل : أنّ منع المالك عن التصرف في ملكه حرج عليه ، ودليل نفي الحرج حاكم على أدلة نفي الضرر ، كما أنّه حاكم على الأدلة المثبتة للأحكام.
وهذا الدليل ممنوع صغرىً وكبرى : أمّا الصغرى : فلعدم كون منع المالك عن التصرف في ملكه حرجاً عليه مطلقاً ، فانّ الحرج المنفي في الشريعة المقدّسة إنّما هو بمعنى المشقّة التي لا تتحمل عادة ، ومن الظاهر أنّ منع المالك عن التصرف في ملكه لا يكون موجباً للمشقة التي لا تتحمل عادة مطلقاً ، بل قد يكون وقد لا يكون. وليس الحرج المنفي في الشريعة المقدّسة بمعنى مطلق الكلفة ، وإلاّ كان جميع التكاليف حرجية ، فانّها كلفة ومنافية لحرّية الانسان وللعمل بما تشتهي الأنفس. وأمّا الكبرى : فلأ نّه لا وجه لحكومة أدلة نفي الحرج على أدلة نفي الضرر ، فانّ كل واحد منهما ناظر إلى الأدلة الدالة على الأحكام الأوّلية ، ويقيّدها بغير موارد الحرج والضرر في مرتبة واحدة ، فلا وجه لحكومة أحدهما على الآخر.
الوجه الثاني : أنّ تصرف المالك في ملكه في المقام لا بدّ من أن يكون له حكم مجعول من قبل الشارع : إمّا الجواز أو الحرمة ، فلا محالة يكون أحدهما خارجاً عن دليل لا ضرر ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فيكون دليل لا ضرر مجملاً بالنسبة إليهما ، فلا يمكن التمسك بحديث لا ضرر لشيء منهما ، فيرجع إلى أصالة البراءة عن الحرمة ويحكم بجواز التصرف.
وفيه : ما تقدّم (١) من أنّ دليل لا ضرر لا يشمل إلاّالأحكام الالزامية ، لأ نّه ناظر إلى نفي الضرر من قبل الشارع في عالم التشريع. والضرر في الأحكام الترخيصية لا يستند إلى الشارع حتّى يكون مرتفعاً بحديث لا ضرر ، فحرمة الاضرار بالغير تكون مشمولةً لحديث لا ضرر ومرتفعةً به دون الترخيص.
__________________
(١) في ص ٦١٨ / التنبيه الأوّل