بل الظنّ كلّه غالب كما أشار إليه في المسالك (١) ، مع أنّ المذكور في الأخبار هو مطلق الظنّ.
وقال في المختلف : ومنشأ خياله هذا ما وجده في كلام شيخنا أبي جعفر أنّه متى غلب على ظنّه لم يكن عليه شيء ، فتوهّم أنّ غلبة الظنّ مرتبة اخرى راجحة على الظنّ ، ولم يقصد الشيخ ذلك ، فإنّ الظنّ هو رجحان أحد الاعتقادين ، وليس للرجحان مرتبة مخصوصة محدودة تكون ظنّاً وأُخرى تكون غلبة الظنّ.
ثمّ قوله : «إن أفطر لاعن أمارة ولا ظنّ وجب عليه القضاء والكفّارة» خطأ ؛ لأنّه لو أفطر مع الشكّ لوجب عليه القضاء خاصّة ، فهذا كلّه كلام من لا يحقّق شيئاً (٢) ، انتهى.
أقول : وهذه العبارة الموهمة موجودة في كلام غير ابن إدريس أيضاً ، مثل عبارة المحقّق في الشرائع ، فإنّه عدّ أُموراً يجب فيها القضاء فقط ، وقال في آخرها : والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل ، فإن غلب على ظنّه لم يفطر (٣).
وقد جعل في المسالك أحد معاني العبارة التفاوت بين مراتب الظنّ كما ذكره ابن إدريس بإرادة الظنّ من الوهم كما هو أحد معانيه لغة (٤).
والأظهر عندي أنّ مراده رحمهالله من الإفطار للظلمة الموهمة هو ما لم يحصل معه الظنّ ، فيكون الوهم في كلامه بمعنى الغلط كما هو أحد معانيه اللغوية أيضاً (٥).
فاتباع الظلمة المغلطة موجب للإفطار الموجب للقضاء ، وما حصل منه الظنّ مستثنى من أقسامه بسبب النصوص ، ولذلك قال : فإن غلب على ظنّه لم يفطر ، يعني لم يحكم بكونه مفطراً ، وإن استبان خطأه ، فيكون مختاره رحمهالله في
__________________
(١) المسالك ٢ : ٢٨.
(٢) المختلف ٣ : ٤٣٤ ، وانظر الاستبصار ٢ : ١١٦.
(٣) الشرائع ١ : ١٧٣.
(٤) المسالك ٢ : ٢٨ ، وانظر الصحاح ٥ : ٢٠٥٤ ، والمصباح المنير : ٦٧٤.
(٥) المصباح المنير : ٦٧٤.