أقول : ويظهر من ذلك أنّهم لم يفرّقوا بين ما يمكن كونه مستند الشهادة وغيره ، فحينئذٍ لا بدّ أن يجعل العلم الذي اعتبروه في الشهادة أعمّ مما حصل الجزم الواقعي بموردها أو العلم الشرعي.
فمن يكتفي في ثبوت النَّسَب أو النكاح ونحوهما بالاستفاضة الظنّية يشهد بأنّي عالم بأنّ فلاناً ولد فلان ، أو فلانة زوجة فلان ؛ لأنّ الشارع حكم بوجوب اعتقاد ذلك حين حصول هذا الظن.
ولذلك يستندون في الشهادة إلى الاستصحاب وإلى اليد مع التصرّف المتكرر ، بل ومطلق اليد على المشهور إذا لم تزاحمه قرينة العارية أو الإجارة ونحوهما.
وحينئذٍ فلا بدّ للجماعة المشترطين للعلم في الاستفاضة التي تبنى عليها الشهادة ، إما أن لا يكتفوا في الشهادة بالظنون التي تصير مناطاً للأحكام الشرعية التي يجب العمل عليها ويخصّصوا العلم الذي اشترطوه في الشهادة بالعلم القطعي ، ولا تنافي عندهم بين قولهم ذلك وقولهم بثبوت الأحكام الشرعية بالاستفاضة الظنية وسائر الظنون.
وإما القول بعدم إمكان ثبوت شيء بالاستفاضة الظنية ، وقولهم في مقام الاستدلال على اشتراط قطعية الاستفاضة بأنّ الشهادة مما يجب فيها العلم ، دون أن يقولوا : إنّ الاستفاضة الظنية لا تثبت شيئاً علينا من جانب الشارع ، لتكون محصلة لعلم شرعي ، حتّى يمكن أن يصير مورداً للشهادة ، أعظم شاهد على الفرق بين المقامين ، فمسألة حجّية الاستفاضة الظنيّة في الأحكام الشرعية مسألة ، ومسألة جواز بناء الشهادة عليها مسألة أُخرى.
ويظهر من المدارك الخلط بينهما ، حيث نقل فتوى المصنف في الشهادات باشتراط العلم ، والكلام فيما نحن فيه إنما هو في ثبوت الرؤية بالشياع الظني ، لا في قبول الشهادة المبتنية عليه.
والذي يشهد بذلك : أنّ المحقّق اختار اعتبار الجزم في تحمل الشهادة بالاستفاضة وتردّد فيما حصل به الظن المتاخم ، ثمّ ذكر ثبوت الوقف والنكاح بالاستفاضة الظنية ،