منهم وقوع المأمور به في الخارج ، إذا علم انتفاء شرط الوقوع ، بأن يكون مراده نفس التوطين على الامتثال ، أو امتحانهم ، أو غير ذلك ، ويترتب عليه الثواب والعقاب وسائر الفوائد على نفس ذلك الأمر من حيث هو ، أم لا؟ فكان عدم كون نفس الصوم فيما نحن فيه مطلوباً بنفسه مفروغ عنه عندهم ، وخلافهم في سائر فوائد لفظ الأمر.
ولذلك قال فخر المحقّقين في الإيضاح بعد ذكر أنّ هذه المسألة فرع مسألة أُصولية ، هي أنّه إذا علم المكلّف انتفاء شرط التكليف عن المكلّف في وقت الفعل ، هل يحسن منه تكليفه أم لا؟ الشيخ والأشاعرة على الأوّل (١) ، والمصنف والمعتزلة على الثاني (٢) : إنّ هذه أيضاً يعني هذه المسألة الأُصولية متفرّعة على مسألة أُخرى أُصوليّة ، وهي أنّه هل يحسن الأمر لمصلحة ناشئة من نفس الأمر ، لأمن نفس المأمور به في وقته ، أم لا يحسن إلا مع مصلحة ناشئة منهما؟ الشيخ وابن الجنيد والأشاعرة على الأوّل لحصول الثواب بعزم المكلّف على الفعل ، والمصنف والمعتزلة على الثاني (٣) ، انتهى.
ولازم هذا البناء : أنّ العلامة ومن وافقه لا يقولون بإثم هذا المكلّف المفطر في نهار رمضان إذا انكشف أنّه لم يكن مكلّفاً بالصوم في نفس الأمر ؛ لأنه لم يتوجّه إليه خطاب أصلاً ، أما بالنسبة إلى الصوم نفسه فواضح ، وأما بالنسبة إلى التوطين وما في معناه فلأن كلامهم مبنيّ على عدم صحّة الأمر بمجرد مصلحة ناشئة عن نفس الأمر ، لا المأمور به كما بنيت عليه المسألة ، وهو كما ترى ؛ إذ الظاهر اتفاق كلماتهم على الإثم حينئذٍ.
وينبغي التنبيه على أُمور :
الأوّل : أنّ تشبيه المستدلّين على سقوط الكفّارة فيما نحن فيه بصورة انكشاف كون الأيّام من شوال يُشعر بعدم الإشكال في سقوطها فيها
__________________
(١) انظر اللمع لأبي الحسن الأشعري : ٩٩ ، والمواقف ٢٣٣ ، وشرحه ٨ : ٢٠٤.
(٢) القواعد ١ : ٣٧٧.
(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٢٣١.