والثاني : تعليله عليهالسلام عدم القضاء عنها بعدم إيجابه عليها ، وعند انتفاء العلّة ينتفي المعلول ، فيجب القضاء عنها عند الإيجاب.
الثالث : تعليل تعجّبه عليهالسلام في قوله : «كيف يقضي شيئاً لم يجعله الله عليها؟!» بانتفاء الإيجاب ، فيجب أن يكون مع الإيجاب يجب القضاء (١) ، هذا كلامه رحمهالله وفيه نظر يظهر للمتأمل.
ويؤيّد ما اخترناه ، بل يدلّ عليه : الأمر الشديد والاهتمام الوكيد في برّ الوالدين ، حتّى الكافر والمخالف منهما ، حتّى أنّه تعالى رخّص في ترك الجهاد لإيناسهما ، وفي خصوص الام ، سيّما ما ورد في تقديمها على الأب.
فمنها ما رواه الكليني في الحسن لإبراهيم بن هاشم عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «جاء رجل إلى النبيّ وقال : يا رسول اللهُ ، من أبرّ؟ قال : أُمّك ، قال : ثمّ من؟ قال : أُمّك ، قال : ثمّ من؟ قال : أُمّك ، قال : ثمّ من؟ قال : أباك» (٢).
فهذا الحديث يدلّ على تقديم الوالدة على الوالد في البرّ ، فإذا وجب البرّ للوالد بقضاء ما وجب عليه ، فالوالدة أولى.
وروى فيه أيضاً ، عن معلّى بن خنيس ، عنه ، قال : «جاء رجل وسأل النبي عن برّ الوالدين ، فقال : ابرر أُمّك ، ابرر أُمّك ، ابرر أُمّك ، ابرر أباك ، ابرر أباك ، وبدأ بالأُم قبل الأب» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على تقديم الام ، سيّما مع ملاحظة شفقتها عليه ، وكثرة عنائها في تربيته حال الحمل والوضع والرضاع والفطام مما لا يخفى على ذي بصيرة.
وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : «إنّ العبد ليكون بارّاً بوالديه في
__________________
(١) المختلف ٣ : ٥٢٤.
(٢) الكافي ١ : ١٥٩ ح ٩.
(٣) الكافي ١ : ١٦٢ ح ١٧.