والأسباب الشرعية ؛ وإن كانت من الأحكام الشرعية الوضعية ، لكن الذي يكتفى فيها بالظن هو إثبات سببية السبب وشرطيّة الشرط ومانعيّة المانع ، لا وجود السبب وتحقّقه في الخارج ، ووجود المانع وتحقّقه ، ونحو ذلك.
والكلام في هذه المسألة إنما هو في ذلك ، فإنّ سببيّة الرؤية للصوم والفطر قد ثبتت من الشرع ، لكن حصولها في الخارج موضوع هذه المسألة.
فمسائل النكاح والوقف وغيرهما ، وإن كانت تثبت بالظنّ ، فيكتفى في سببية بعض أفراد النكاح مثلاً للزوجيّة والميراث بالظنّ الشرعي ، لكن لا يكتفى في تحققه في الخارج بكلّ ظنّ ، فلا بدّ من الدليل على حجيّة ما يثبت به النكاح مثلاً ، وقد ثبت أنّه يثبت بشهادة العدلين ، واختلف في الاستفاضة الظنية ، وهكذا.
وأما الدليل على الاكتفاء بالظنّ في الاستفاضة ، فربما يذكر مما يناسب المقام ما ذكره الفاضلان (١) وغيرهما (٢) : إنّا نقضي أنّ خديجة زوجها النبيّ ، كما نقضي بأنّها امّ فاطمة ، وليس ذلك من باب التواتر ؛ لأنّ شرطه استواء الطرفين والواسطة والطبقات الوسطى ، والمتصلة بنا وإن بلغت التواتر ، ولكن الأُولى غير متواترة ؛ لأنّ شرط التواتر الاستناد إلى الحس ، والظاهر أنّ المخبرين أوّلاً لم يخبروا عن مشاهدة العقد ، ولا عن إقرار النبيّ ، بل نقل الطبقات متّصل إلى الاستفاضة الّتي هي الطبقة الأُولى.
وردّه في المسالك : بأنّ الطبقة الأُولى السامعين للعقد المشاهدين للمتعاقدين بالغون حدّ التواتر وزيادة ؛ لأنّ النبيّ ، كان ذلك الوقت أعلى قريش ، وعمّه أبو طالب المتولّي لتزويجه كان يومئذ رئيس بني هاشم وشيخهم ، ومن إليه مرجع قريش ، وخديجة كانت من أجِلة بيوتات قريش ، والقصّة في تزويجها مشهورة ، وخطبة أبي طالب رضياللهعنه في المسجد الحرام بمجمع من قريش ممن يزيد عن
__________________
(١) الشرائع ٤ : ١٢٣ ، قواعد الأحكام (الطبعة الحجريّة) : ٢٣٩.
(٢) كالشيخ في الخلاف كتاب الشهادات مسألة ١٥.