٢. الأمر بين الأمرين في الكتاب العزيز
إذا كان معنى الأمر بين الأمرين هو وجود النسبتين في فعل العبد : نسبة إلى الله سبحانه ونسبة إلى العبد من دون أن تزاحم إحدى النسبتين ، النسبةَ الأُخرى ، فقد قرره الكتاب العزيز ببيانات مختلفة :
١. انّه ربما ينسب الفعل إلى العبد وفي الوقت نفسه يسلبه عنه وينسبه إلى الله سبحانه ، يقول : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (١)
ولا يصحّ هذا الإيجاب (إِذْ رَمَيْتَ) في عين السلب (وَما رَمَيْتَ) إلاّ على الوجه الذي ذكرنا ، وهذا يعرب عن أنّ للفعل نسبتين وليست نسبتُه إلى العبد ، كلَّ حقيقته وواقعه ، وإلاّ لم تصح نسبته إلى الله ، كما أنّ نسبته إلى الله ليست خالصة (وإن كان قائماً به تماماً) بل لوجود العبد وإرادته تأثير في طروء عناوين عليه.
٢. قال سبحانه : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ). (٢)
فالظاهر انّ المراد من التعذيب هو القتل ، لأنّ التعذيب الصادر من الله تعالى بأيدي المؤمنين ليس إلاّ ذاك ، لا العذاب البرزخي ولا الأُخروي فانّهما راجعان إلى الله سبحانه دون المؤمنين ، وعلى ذلك فقد نسب فعل واحد (التعذيب) إلى المؤمنين وخالقهم ولا تصح هاتان النسبتان إلاّ على هذا المنهج ، وإلاّ ففي منهج الجبر لا تصح النسبة إلاّ إليه سبحانه. وفي منهج التفويض على العكس ،
__________________
(١) الأنفال : ١٧.
(٢) التوبة : ١٤.