.................................................................................................
______________________________________________________
كما في قولك : لا أبرح من هذا المكان حتى يؤذّن المؤذن كناية عن دخول الوقت».
الثاني : أنه تبارك وتعالى لم يقل : «لم نعذِّب» أو «ما عذبنا أحدا إلّا بعد بعث الرسول» ونحوهما مما يدل على الزمان ولا يدل على كون نفي التعذيب عادة وديدنا له عزوجل حتى يحتمل الحكاية عن ذلك بالنسبة إلى الأمم السالفة واختصاصه بهم ، ولا يشمل هذه الأمة المرحومة كي لا يصح لهم التمسك بالبراءة ، وانما قال : «ما كنّا» بصيغة الماضي من «كان» المنسلخ عن الزمان في هذا المورد ومثله ، كقوله تعالى : «وكان الله عليما حكيما» الدال على الثبوت والاستمرار ، فيدل هذا التعبير على استقرار عادته تعالى على عدم التعذيب قبل البيان وأن التعذيب قبله ينافي عدله وحكمته ، ولذا جرت عليه سنته تعالى ، فلا يختص بالأمم السالفة ولا بالعذاب الدنيوي.
وبالجملة : فليست الآية في مقام الاخبار عن خصوص عدم نزول العذاب الدنيوي على الأمم السابقة قبل بعث الرسل إليهم حتى يكون مفادها أجنبيا عن نفي العذاب الأخروي على التكليف الإلزامي المجهول بعد الفحص عنه وعدم الظفر بحجة عليه كما هو المقصود.
الثالث : ثبوت التلازم بين نفي فعلية التعذيب وبين نفي استحقاقه ، إذ لو لم تثبت الملازمة بينهما بأن كان نفي الفعلية لازما أعم من نفي الاستحقاق ومن ثبوته مع انتفاء فعليته منّة وتفضلا على العباد لم تدل الآية على البراءة ، لعدم دلالتها حينئذ على عدم الاستحقاق الّذي هو مبنى البراءة. وعليه فلا يؤمن فاعل محتمل التحريم وتارك محتمل الوجوب من العذاب الأخروي ، إذ المفروض أن نفي فعلية التعذيب لا ينفي استحقاقه.