.................................................................................................
______________________________________________________
.................................................................................................
__________________
وأما دلالته ، فالمصنف (قده) مع بنائه على كون الورود بمعنى الصدور استظهر منه الإباحة الظاهرية ، ولذا جعله من أدلة البراءة. ولكن اعترض عليه بعض أعاظم تلامذته (قده) بوجوه سيأتي بيانها بعد التعرض لما أفاده شيخنا المحقق العراقي (قده) حول هذا الحديث ومحصله : «أن الورود فيه بمعنى الصدور ، والمراد بالإطلاق الإباحة الواقعية الثابتة للشيء بعنوانه الأوّلي دون الإباحة الظاهرية ، فالمعنى : كل شيء مباح واقعا حتى يصدر فيه نهي من الشارع ، والغرض من الحديث : نفي اعتبار قاعدة الملازمة ، وعدم جواز التعويل عليها في استنباط الأحكام الشرعية ، فكل شيء يحكم بأنه مباح واقعا وان أدرك العقلُ قبحَه ، ولا يحكم بحرمته ما لم يصدر نهي من الشارع المقدس عنه ، فلا يلزم حينئذ توضيح الواضحات حتى يستبعد صدوره من الشارع» (١).
أقول : فيه ـ مضافا إلى شمول قاعدة الملازمة للواجبات وعدم اختصاصها بالمحرمات وعدم ملائمة ما أفاده (قده) إلّا بناء على وجود كلمة «أو أمر» في الحديث ـ أنه لا ريب في توقف حكم العقل بحسن شيء أو قبحه على إحراز علته التامة من المقتضي والشرط وعدم المانع ، فبدون إحراز هذه الأمور الثلاثة لا يحكم بشيء من الحسن والقبح ، ومع إحرازها لا يعقل عدم حكمه به ، لاستحالة تخلف المعلول عن علته التامة ، فالمنع عن حجية حكم العقل ان كان صغرويا بمعنى قصوره عن إدراك المقتضيات والشرائط والموانع بنحو السلب الكلي فهو ممنوع ، لاستقلاله بحسن العدل والإحسان وقبح الظلم والعدوان ونحوها من المستقلات العقلية الواقعة في سلسلة علل الأحكام وملاكاتها.
__________________
(١) نهاية الأفكار ، ج ٣ ، ص ٢٣٠.