.................................................................................................
______________________________________________________
العلية التامة بحيث لا يرضى بتركه أصلا كالعدل وشكر المنعم اللذين هما علتان تامتان للحسن ، وإمّا على وجه الاقتضاء كالصدق ، حيث انه مقتض للحسن ، ولا يرضى العقل بتركه إلّا إذا ترتب عليه مفسدة كتلف نفس محترمة. وقد يدرك قبح الفعل كذلك يعني على وجه العلية التامة كالظلم ، أو على وجه الاقتضاء كالكذب ، فانه مقتض للقبح ومؤثر فيه لو لا المانع كما إذا ترتب على الكذب مصلحة كنجاة مؤمن ونحوها من المصالح. وقد اتفقت العدلية على حكم العقل بحسن الفعل وعدم الرضا بتركه تنجيزا في صورة عليته للحسن ، وتعليقا في صورة اقتضائه له ، وكذا على حكمه بقبح الفعل والمنع عنه تنجيزا وتعليقا في صورتي العلية والاقتضاء ، وعلى حكمه أيضا بعدم المنع عن الأفعال الضرورية المقومة للحياة كالأكل والشرب واستنشاق الهواء.
ولكنهم اختلفوا في حكم العقل بالجواز وعدمه فيما لا يستقل بحسنه وقبحه من الأفعال غير الضرورية على أقوال ثلاثة :
الأول : أن الأصل في الأشياء التي لا يدرك العقل حسنها ولا قبحها ولا هي مضطر إليها الحظر أي المنع ، وأن العقل يحكم بعدم جوازها ما لم يرد رخصة من الشارع فيها ، ويعبر عنه بأصالة الحظر ، ذهب إليه كثير من البغداديين ـ كما في عدة الأصول ـ وطائفة من الإمامية ، ووافقهم عليه جماعة من الفقهاء ، ونظرهم في ذلك إلى أن الأشياء كلها مملوكة لله تعالى ، فلا يجوز التصرف فيها بدون اذنه ، لعدم جواز التصرف في ملك الغير إلّا بإذنه.
الثاني : أن الأصل فيها الإباحة ، وأن العقل يحكم بجوازها ما لم يصل من الشارع منع عنها ، ويعبر عنه بأصالة الإباحة ، ذهب إليه كثير من متكلمي البصريين وكثير من الفقهاء ، واختاره السيد مرتضى (قده) ونظرهم في ذلك