كانا حرفي ابتداء ، وكان معناهما الإضراب عن الأول وإثبات القصة التي بعدهما ، فتقول : «قام زيد بل قعد عمرو ولا بل قعد عمرو» ، و «ما قام زيد بل خرج بكر» ، وإن كان الواقع مفردا كانا حرفي عطف.
ولا يخلو أن يقعا بعد إيجاب أو نفي ، فإن وقعا بعد إيجاب كانا للإضراب في حق الأول والإثبات في حق الآخر ، نحو قولك : «قام زيد بل عمرو» ، فأضربت عن القيام في حقّ «زيد» وأثبتّه في حق «عمرو».
وإن وقعا بعد نفي فالمعنى عند سيبويه على الإضراب في حقّ الأول والإيجاب في حق الثاني ، كما كان ذلك بعد الإيجاب ، نحو قولك : «ما قام زيد بل عمرو»؟ ومعناه عنده : بل قام عمرو. والمعنى عند المبرد الإضراب في حق الأول وإيجاب ما أضربت عنه في حق الثاني ، فإذا قلت : «ما قام زيد بل عمرو» ، فالمعنى عنده : بل ما قام عمرو ، فأوجبت في حق الثاني نفي القيام الذي أضربت عنه في حقّ الأول ، ويجوز عنده ما ذهب إليه سيبويه.
والصحيح أنّ الذي ذهب إليه سيبويه قد اتفقا معا على جوازه وعلى أنّه كلام العرب وما انفرد به لا يحفظ له ما يدلّ عليه.
[١١ ـ لا] :
وأما «لا» : فلإخراج الثاني مما دخل فيه الأول ، ولا يعطف بها إلّا بعد إيجاب ، وذلك نحو قولك : «يقوم زيد لا عمرو». فـ «لا» أخرجت «عمرا» من القيام الذي دخل فيه زيد.
واتفق النحويون على العطف بها فيما عدا الماضي ، واختلفوا في العطف بها بعد الماضي في نحو قولك : «قام زيد لا عمرو» ، فمنهم من أجاز ذلك ، وهم جلّ النحويين ، ومنهم من منع ذلك ، وإليه ذهب أبو القاسم الزجّاجي في «معاني الحروف» ، واستدل على ذلك بأنّ «لا» لا ينفى الماضي بها ، وإذا عطفت بها بعده كانت نافية له في المعنى ، فلذلك لم يجز العطف بها بعد الماضي ، لأنك إذا قلت : «قام زيد لا عمرو» ، فكأنك قلت : لا قام عمرو ، و «لا قام عمرو» لا يجوز ، فكذلك ما في معناه.
والذي يدل على فساد مذهبه أنّه قد ينفى بها الماضي قليلا ، نحو قول تعالى : (فَلا