فلأيّ شيء حذفت مع الظرف إذا كان ظاهرا؟
فالجواب : إنّ ظرف الزمان لمّا أشبه المصدر ، وصل الفعل إلى جميع ضروبه من مبهم ومختص ومعدود بنفسه كما يصل إلى المصدر. ووجه الشبه بينهما أنّ المصدر يدلّ عليه الفعل بحروفه ، نحو : «ضربت» ، ألا ترى أنّه يدلّ على الضرب بحروفه. وظرف الزمان يدلّ عليه الفعل بصيغته ، ألا ترى أنّ صيغة «قام» تعطي أنّ الزمان ماض ، وصيغة «يقوم» تعطي أنّ الزمان غير ماض. فاجتمعا في أن الفعل يدلّ عليهما بلفظه وأيضا فإن الزمان فعل الفلك ، لأنّ الزمان اللغوي هو الليل والنهار ، وهما موجودان في قرب الشمس وبعدها ، وذلك كائن عن حركة الفلك ، والمصادر حركات الفاعلين ، نحو : القيام والقعود ، فاجتمعا أيضا من هذه الجهة.
وأمّا ظرف المكان ، فلا شبه بينه وبين المصدر من جهة من هاتين الجهتين ، ألا ترى أنّ المكان لا يدل عليه الفعل بلفظه ، ولا هو حركة فاعل. لكنّه أشبه ظرف الزمان من حيث هو ظرف للفعل ، كما أنّ الزمان كذلك ، فوصل الفعل إلى مبهمه ومعدوده بنفسه كذلك.
فإن قيل : فهلّا شبّه مختصّ المكان بمختصّ الزمان ، فيصل الفعل إليه بنفسه؟ فالجواب : إنّ هذا الشبه لمّا لم يكن قويّا لأنّه شبّه بمشبّه لم يؤثّر إلّا فيما تقوى دلالة الفعل عليه من ظروف المكان وهو المبهم ، ألا ترى أنّ الفعل إنّما يطلب مكانا مبهما ، وألحق به المعدود لأنّه قريب من المبهم ، لأنّ فيه إبهاما من حيث يمكن أن يقع على كل مكان ، ألا ترى أنّ «ميلا» يمكن أن يقع على كل موضع إذا كان قدرة للقدر المصطلح على تسميته بـ «ميل» ، فهو وإن كان معلوم القدر غير متبيّن في نفسه.
فأمّا المختصّ ، فلمّا لم تقو دلالة الفعل عليه ولا قريب ممّا تقوى دلالة الفعل عليه ، لم يؤثّر الشبه الضعيف فيه ، فوصل الفعل إليه بحرف الجرّ ، على أصله ، إلّا ما شذّت العرب فيه من ذلك ، وقد تقدّم ذكره ، أو في ضرورة.