لا تقاس بالسنين ، ولكن تقاس بما قدّموه للبشريّة من خير ونفع .. ومن هذه الدروس الأوليّة في مجلس الإمام جعفر الصادق تعلّم الناس أن يسعوا لعمارة الدنيا بالعمل للرزق ومجانبة التواكل والبطانة» (١).
وكتب الباحث الأستاذ برهان البخاري الدمشقي : «إنّ أهمّ ما تميّز به القرن الثاني للهجرة هو نشوء المذاهب الفقهيّة ، حيث ظهرت مجموعة من الفقهاء أبرزهم حسب تسلسل تاريخ الوفاة : جعفر الصادق (٨٠ ـ ١٤٨) ، أبو حنيفة (٨٠ ـ ١٥٠) ، الأوزاعي (٨٨ ـ ١٥٧) ، الليث بن سعد (٩٤ ـ ١٧٩) ، مالك (٩٣ ـ ١٧٩) ، الشافعي (١٥٠ ـ ٢٠٤) ، أحمد بن حنبل (١٦٤ ـ ٢٤١) ، لقد أسّس كلّ واحد من هؤلاء الفقهاء السبعة مذهباً خاصّاً به ، واستمرّت هذه المذاهب حتّى يومنا هذا ، عدا مذهبَي الأوزاعي والليث بن سعد ، ومن بين هؤلاء الفقهاء السبعة برز الإمام الصادق عليهالسلام علامة فارقة من حيث الترتيب الزمني ، وتأثيره على الذين جاؤوا بعده ، والأهمّ من ذلك تفرّده كسليل لآل بيت النبوّة وفقيههم المتميّز ، وليس لهذا الحين أن يفي ولو بجزء بسيط من مناقب الصادق ، فلقد وضعت فيه مؤلّفات عديدة ، وشهد له العدوّ قبل الصديق ، يكفي أنّ أبا جعفر المنصور الذي بطش بالطالبيّين بطشة لم يجاره بها أحد كان يجلّه ويهابه ، ويحسب له ألف حساب (٢). إنّ أهمّ ما تميّز به الصادق في نظري هو عمق النظرة وشموليّتها .. كانت غيرته على الدين واضحة ، ووقوفه ضدّ الوضّاعين والغلاة معروفة ، ومجابهته للتطرّف أثبتها أكثر من موقف .. ولا أدلّ على مكانة الصادق عند بقيّة المذاهب وعند السنّة بخاصّة من عدد المصادر التي ترجمت له أو أوردت طرفاً من أخباره والتي بلغت (٦٤) أربعة وستّين مصدراً سنّياً حسب إحصاءاتنا ، ولقد تلمذ على يديه عدد من
__________________
(١) نفس المصدر : ٦ ـ ٧.
(٢) ومع ذلك سمّه المنصور ، ومات الإمام الصادق عليهالسلام شهيداً كآبائه.