وروي (١) أنّه قال : وبها يؤمر [البدن] (٢) وينهى ، ويثاب ويعاقب ، وقد تفارقه ، ويلبسها الله ـ سبحانه ـ غيره ، كما تقتضيه حكمته.
وليعلم أنّ الأرواح متعدّدة في بدن الإنسان ، ويزيد عددها بزيادة صاحبها في الفضل والشّرف ، كما استفاض فيه الأخبار عن الأئمّة الأطهار ـ سلام الله عليهم ـ : ففي الكافي (٣) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه جاء رجل إليه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ أناسا زعموا أنّ العبد لا يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ، ولا يأكل الرّبا وهو مؤمن ، ولا يسفك الدّم وهو مؤمن. فقد ثقل عليّ هذا وحرج منه صدري حين أزعم أنّ هذا العبد يصلّي صلاتي ، ويدعو دعائي ، ويناكحني (٤) وأناكحه ، ويوارثني وأوارثه ، وقد خرج من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه.
فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : صدقت (٥) ، سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : والدّليل عليه كتاب الله ، خلق الله النّاس ثلاث طبقات وأنزلهم ثلاثة منازل (٦) ، وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ في الكتاب : (أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) ، و (أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ).
فأمّا ما ذكره من امرّ (٧) السّابقين فإنّهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين ، جعل الله فيهم خمسة أرواح ، روح القدس ، وروح الإيمان ، وروح القوّة ، وروح الشّهوة ، وروح البدن.
__________________
(١) تفسير الصافي ٣ / ١٠٩.
(٢) من المصدر.
(٣) الكافي ٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٤ ، ح ١٦.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ينكاحني.
(٥) أي : صدقوك فيما زعموا ، وليس بالّذي يخرج من دين الله. إن قيل : قد ثبت أنّ الإنسان إنّما يبعث على ما مات عليه ، فإذا مات الكبير على غير معرفة فكيف يبعث عارفا؟ قلت : لما كان مانعه عن الالتفات إلى معارفه أمرا عارضا فلمّا زال ذلك بالموت برزت له معارفه الّتي كانت كامنة في ذاته بخلاف من لم تحصل له المعرفة أصلا فإنّه ليس في ذاته شيء ليبرز له. «الوافي».
(٦) ثلاث منازل عبارة عن ثلاث مراتب مذكورة للأرواح الثّلاثة. وحاصل الجواب أن مرتكب الكبيرة بدون الإصرار ليس داخلا في أصحاب المشأمة فإنّ المذكور في مرتبتهم أنّهم كانوا يصرّون على الحنث العظيم فهم داخلون في أصحاب الميمنة.
(٧) أي : أقوى وأعقل. مأخوذ من المرّة ، وهي القوّة وشدّة العقل.