فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين ، وبها علموا الأشياء.
وبروح الإيمان عبدوا الله ، ولم يشركوا به شيئا.
وبروح القوّة جاهدوا عدوّهم ، وعالجوا معاشهم.
وبروح الشّهوة أصابوا لذيذ الطّعام ، ونكحوا الحلال من شباب النّساء.
وبروح البدن دبّوا (١) ودرجوا. فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم.
ثم قال : قال الله ـ تعالى ـ : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ). ثمّ قال في جماعتهم : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) يقول : أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم. فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم.
ثمّ ذكر أصحاب الميمنة ، وهم المؤمنون حقّا بأعيانهم ، جعل الله فيهم أربعة أرواح : روح الإيمان ، وروح القوّة ، وروح الشّهوة ، وروح البدن. فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتّى يأتي عليه حالات.
فقال الرّجل : يا أمير المؤمنين ، ما هذه الحالات؟
فقال : أمّا أولاهنّ ، فهو كما قال الله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) فهذا ينتقص منه جميع الأرواح ، وليس بالّذي يخرج من دين الله ، لأنّ الفاعل به ردّه إلى أرذل العمر (٢) ، فهو لا يعرف للصّلاة وقتا ولا يستطيع التّهجّد باللّيل ولا بالنّهار ولا القيام في الصّف مع النّاس ، فهذا نقصان من روح الإيمان وليس يضرّه شيئا (٣). ومنهم من ينتقص منه روح القوّة ، فلا يستطيع جهاد عدوّه ولا يستطيع طلب المعيشة. ومنهم من ينتقص منه روح الشّهوة ، فلو مرّت به أصبح (٤) بنات آدم لم يحنّ إليها ولم يقم. ويبقى روح البدن فيه فهو يدبّ ويدرج حتّى يأتيه ملك الموت ، فهذا بحال (٥) خير لأنّ الله هو الفاعل به. وقد يأتي عليه حالات في قوّته وشبابه فيهمّ بالخطيئة ، فيشجّعه (٦) روح القوّة ويزين له روح الشّهوة ويقوده روح البدن حتّى يوقعه (٧) في الخطيئة.
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ربوا.
(٢) المصدر : عمره.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : شيء.
(٤) أي : أجمل.
(٥) المصدر : الحال.
(٦) أ ، ب : فيشخصه.
(٧) المصدر : توقعه.