٢١٤ ـ ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا (١) |
وثانيها : أنّ ضرر استهزائهم بالمؤمنين راجع إليهم ، وغير ضارّ بالمؤمنين ، فيصير كأن الله استهزأ بهم.
وثالثها : أنّ من آثار الاستهزاء حصول الهوان والحقارة ، فذكر الاستهزاء ، والمراد حصول الهوان لهم فعبّر بالسّبب عن المسبّب.
ورابعها : أنّ استهزاء الله بهم أن يظهر لهم من أحكامه في الدّنيا ما لهم عند الله خلافها في الآخرة ، كما أنهم أظهروا [للنّبي و](٢) المؤمنين أمرا مع أنّ الحاصل منهم في السر خلافه ، وهذا ضعيف ؛ لأنه ـ تعالى ـ لما أظهر لهم أحكام الدّنيا ، فقد أظهر الأدلّة الواضحة بما يعاملون به في الدّار الآخرة ، فليس في ذلك مخالفة لما أظهره في الدنيا.
وخامسها : أن الله ـ تعالى ـ يعاملهم معاملة المستهزىء في الدّنيا والآخرة ، أما في الدنيا ، فلأنه أطلع الرسول على أسرارهم لمبالغتهم في إخفائها ، وأمّا في الآخرة فقال ابن عبّاس : هو أن يفتح لهم بابا من الجنة ، فإذا رأوه المنافقون خرجوا من الجحيم متوجّهين إلى الجنة ، فإذا وصلوا إلى باب الجنة ، فهناك يغلق دونهم الباب ، فذلك قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ)(٣) [المطففين : ٣٤] وقيل : هو أن يضرب للمؤمنين نور يمشون به على صراط ، فإذا وصل المنافقون إليه حيل بينهم وبينه ، كما قال تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) [الحديد : ١٣] الآية.
فإن قيل : هلا قيل : إن الله يستهزىء بهم ليكون مطابقا لقوله : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) [البقرة : ١٤]؟
__________________
ـ (٢٠٥٦٦) وابن عبد البر في التمهيد (١ / ١٩٢) والطبري في تفسيره (٢٩ / ٥٠).
وأخرجه أبو داود في السنن (١ / ٤٣٥) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل والنسائي في السنن (٢ / ٦٨) كتاب القبلة (٩) باب المصلي يكون بينه وبين الإمام سترة حديث رقم (٧٦٢).
وابن ماجه في السنن (٢ / ١٤١٧) كتاب الزهد (٣٧) باب المداومة على العمل (٢٧) ، حديث رقم (٤٢٤٠).
وأحمد في المسند (٦ / ٦١) ، ١٧٦ ، ٢٤١ ، ٢٧٦).
وابن أبي شيبة في المصنف (٣ / ٨٣).
وذكره ابن حجر في فتح الباري ٤ / ١٧٣.
والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٥ / ١٦٠) ولفظه تكلفوا من العمل ما تطيقون.
(١) البيت من معلقته المشهورة. ينظر شرح المعلقات السبع للزوزني (١٠٢) ، والتبيان في علم المعاني والبديع والبيان (٣٤٨) ، والبحر (١ / ١٨٦) ، والقرطبي : (١ / ١٤٥) والدر المصون : (١ / ١٢٦).
(٢) سقط في أ.
(٣) الأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٩) وعزاه للبيهقي في «الأسماء والصفات» عن ابن عباس.