فإن كان الأوّل ، فحينئذ قد ثبت بالنّقل المتواتر أنّ الله ـ تعالى ـ قد خيّر المكلّفين بين هذه القراءة ، وسوّى بينهما في الجواز.
وإذا كان كذلك ، كان ترجيح بعضها على البعض واقعا على خلاف الحكم المتواتر ؛ فواجب أن يكون الذاهبون إلى ترجيح البعض ، مستوجبين للتفسيق إن لم يلزمهم التكفير ، لكنّا نرى أنّ كلّ واحد يختصّ بنوع معيّن من القراءة ، ويحمل الناس عليها ، ويمنعهم من غيرها ، فوجب أن يلزم في حقّهم ما ذكرناه.
وإن قلنا : هذه القراءات ما ثبتت بالتواتر ؛ بل بطريق الآحاد ، فحينئذ يخرج القرآن عن كونه مفيدا للجزم ، والقطع اليقين ؛ وذلك باطل بالإجماع ؛ ولقائل أن يجيب عنه ؛ فيقول : بعضها متواتر ، ولا خلاف بين الأمّة فيه ، وتجويز القراءة بكل واحد منها ؛ وبعضها من باب الآحاد ، لا يقتضي كون القراءة بكلّيته خارجا عن كونه قطعيا ، والله أعلم ؛ ذكره ابن الخطيب.
فصل في اشتقاق الاستعاذة وإعرابها
العوذ له معنيان : أحدهما : الالتجاء والاستجارة.
والثاني : الالتصاق ؛ ويقال : «أطيب [اللّحم](١) عوّذه» هو : ما التصق بالعظم.
فعلى الأوّل : أعوذ بالله ، أي : ألتجىء إلى رحمة الله ، ومنه العوذة : وهي ما يعاذ به من الشّر.
وقيل للرّقية ، والتّميمة ـ وهي ما يعلّق على الصبي : عوذة ، وعوذة [بفتح العين وضمّها](٢) ، وكلّ أنثى وضعت فهي عائذ إلى سبعة أيام.
ويقال : عاذ يعوذ عوذا ، وعياذا ، ومعاذا ، فهو عائذ ومعوذ ومنه قول الشّاعر : [البسيط]
١ ـ ألحق عذابك بالقوم الّذين طغوا |
|
وعائذا بك أن يعلوا فيطغوني (٣) |
__________________
ـ لأمير بادشاه : ٣ / ٣٢ ، وكشف الأسرار للنسفي : ٢ / ٤ ، وشرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني : ٢ / ٣ ، وشرح المنار لابن ملك : ٧٨ ، وميزان الأصول للسمرقندي : ٢ / ٦٢٧ ، وتقريب الوصول لابن جزي : ١١٩ ، وإرشاد الفحول للشوكاني : ٤٦.
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : بضم العين وفتحها.
(٣) البيت لعبد الله بن الحارث السهمي ، ينظر الكتاب : ١ / ٣٤٢ ، ولسان العرب (عوذ) ، وشرح أبيات سيبويه : ١ / ٣٨١ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : ص ٤٧٥ ، وشرح المفصل : ١ / ١٢٣ ، والسيرة لابن هشام : ٢١٦ ، والروض الأنف : ١ / ٢٠٨ ، والدر المصون : ١ / ٤٧.