قال القرطبي : «وليس في قوله تعالى : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) [البقرة : ٢٤] دليل على أنه ليس فيها غير الناس والحجارة ، بدليل ما ذكره في غير موضع ، من كون الجن والشياطين فيها» وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كل مؤذ في النّار» (١) وفي تأويله وجهان :
أحدهما : كل من آذى الناس في الدنيا عذبه الله في الآخرة بالنار.
والثاني : أن كل ما يؤذي النّاس في الدنيا من السّباع والهوام وغيرها في النار معدّ لعقوبة أهل النار.
وذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه النار المخصوصة بالحجارة هي للكافرين خاصّة.
روى مسلم عن العباس بن عبد المطّلب (٢) ـ رضي الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله ، إنّ أبا طالب (٣) كان يحوطك وينصرك ، فهل ينفعه ذلك؟ قال : «نعم ، وجدته في غمرات من النّار فأخرجته إلى ضحضاح» (٤).
وفي رواية : «ولو لا أنا لكان في الدّرك الأسفل من النار» ويدلّ على هذا التأويل قوله : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ).
وقال ابن الخطيب (٥) : وليس فيها ما يدلّ على أنه ليس هناك نيران أخر غير موصوفة بهذه الصّفة ، معدّة لفساق أهل الصلاة.
قوله تعالى : (أُعِدَّتْ) فعل لما لم يسمّ فاعله ، والقائم مقام الفاعل ضمير «النّار» ، والتاء واجبة ، لأن الفعل أسند إلى ضمير المؤنّث ، ولا يلتفت إلى قوله : [المتقارب]
__________________
(١) أخرجه الخطيب (١١ / ٢٩٩) وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (٢ / ٧٤٩) وابن عساكر كما في «كنز العمال» (١٤ / ٥٢٣) رقم (٣٩٤٨٤) قال ابن الجوزي : هذا حديث لا يصح.
وقال المتقي الهندي في «الكنز» (١٤ / ٥٢٣) : قال المناوي : خبر غريب.
(٢) العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، أبو الفضل : من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام ولد في ٥١ ق ه وهو جد الخلفاء العباسيين ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في وصفه : أجود قريش كفا وأوصلها ، هذا بقية آبائي ، وهو عمه ، كان محسنا لقومه وعمي في آخر حياته توفي في ٣٢ ه.
ينظر نكت الهميان : ١٧٥ ، صفة الصفوة : ١ / ٢٠٣ ، ذيل المذيل : ١٠ ، ابن عساكر : ٧ / ٢٢٦ ، الخميس : ١ / ١٦٥ ، المرزباني : ٢٦٢ ، المحبر : ٦٣ ، الأعلام : ٣ / ٢٦٢.
(٣) عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم ، من قريش ، أبو طالب : والد علي رضي الله عنه ، وعم النبي صلىاللهعليهوسلم وكافله ومربيه ، ومناصره ، كان من أبطال بني هاشم ورؤسائهم ، ومن الخطباء العقلاء الأباة ، وله تجارة كسائر قريش ، نشأ النبي في بيته ، وسافر معه إلى الشام ، ودافع عن النبي أثناء الدعوة ولد سنة ٨٥ قبل الهجرة وتوفي سنة ٣ قبل الهجرة.
ينظر طبقات ابن سعد : ١ / ٧٥ ، ابن الأثير : ٢ / ٣٤ ، الأعلام : ٤ / ١٦٦.
(٤) أخرجه البخاري : ٧ / ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، كتاب مناقب الأنصار باب قصة أبي طالب (٣٨٨٣) ، ومسلم والحميدي رقم (٤٦٠)
(٥) ينظر الرازي : ٢ / ١١٣.