الإيمانيّة التي يعيشها بعقله وقلبه ، ولكنه يضيف إليها ميثاقا مؤكدا يتمثل بوضع يده بيد النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، تعبيرا عن عقد التواصل مع مسيرته ، وعدم الانفصال عنه تحت تأثير أيّ ظرف من الظروف.
وهذا ما حدث في الحديبية عند ما دعا رسول الله أصحابه إلى البيعة على الاستمرار معه ، حتى في مواجهة قريش ، عند ما تحين اللحظة المناسبة لمواجهتها بالطريقة المسلّحة ، ليضمن بذلك القدرة على الضغط نفسيا على قريش ، كونه جاء إليها من موقع القوّة المستمدة من بيعة أصحابه ، لا من موقع الضعف. وقد حدّث جابر بن عبد الله ، في ما روي عنه ، قال : «فبايعنا تحت الشجرة على الموت ، فما نكث إلا حرّ بن قيس (١) وكان منافقا» (٢). وقد سميت باسم بيعة الرضوان ، لأن الله رضي عنهم بهذه البيعة.
وفي هدى ذلك ، نستطيع أن نفهم أن البيعة لا تضيف شيئا جديدا من حيث المسؤولية ، ولكنها تعمّقها في معنى الالتزام الشخصي بالرسالة والرسول.
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) بما تمثله البيعة من ميثاق مؤكد في نصرتهم لك في موقع المواجهة للمشركين (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) لأنك لم تطلب ذلك منهم بصفتك الشخصية ، بل بصفتك الرسالية التي تجعل من كلمتك كلمة الله ، ومن الالتزام بنصرتك التزاما بالله في نصرة رسوله ، لأن طاعة الرسول هي طاعة الله ، على ضوء ما ورد في الآية الكريمة : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] ، مما يجعل البيعة أكثر عمقا في تأثيرها في جانب الالتزام منهم.
* * *
__________________
(١) كذا ورد الاسم في نسخ البحار ، لكنّ المحقّقين ذكروا أن الصحيح هو : الجدّ بن قيس.
(٢) البحار ، م : ١٢ ، ج : ٣٦ ، باب : ٣٩ ، ص : ٨٢ ، رواية : ٦٥.