لذا عليكم أن تسلّموا إليه كل أموركم ، ولا تكلّفوه إطاعتكم في ما تحبون ، لأن كثيرا مما تحبونه أو تطلبونه لا يرتبط بمصلحتكم الحقيقية في الحياة. وهو (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) أي لوقعتم في جهد ومشقة بسبب المشاكل التي تثيرها رغباتكم ، تماما كما حدث في مسألة إخبار الوليد بارتداد بني المصطلق وامتناعهم عن أداء الصدقة ، ورغبتكم في إعلان الحرب عليهم على أساس ذلك ، فلو أن النبيّ أطاعكم في ذلك ، لوصل الأمر بكم وبالمسلمين إلى ما لا تحمد عقباه ، بينما كان الموقف الذي اتخذه النبي سببا في منع حدوث المشكلة.
(وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) من خلال الفكر الذي انفتحتم فيه على الله ، وعرفتم فيه مواقع الخير في حركة القيادة في خط الرسالة ، وانطلقتم معه إلى الآفاق الرحبة المفتوحة على مواضع رضى الله ولطفه ورحمته ، وعشتم الطمأنينة الهادئة المستقرة في أعماق قلوبكم ، ورأيتم في ذلك كيف يمكن أن تكون طاعة الرسول هي سبيل الهدى والرشاد والنجاة ، وبذلك كان حب الإيمان واتخاذه موضع الزينة في قلوبكم ، حركة في الحق وانطلاقة في الخير.
(وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) بما أودعه في وعيكم الروحي والعقلي من معرفة نتائج الأعمال السلبية ، التي تفتح لكم أبواب النيران ، وتغلق عنكم أبواب الجنان ، وبما أثار فيكم من وعي الحقيقة المرتبطة بالله التي يطل عليها الإيمان ، في مواجهة الباطل الذي يطل عليه الكفر والفسوق والعصيان ، الذي يسيء إلى الحياة والإنسان ويرميكم في بحار المشاكل الروحية والمادية التي لا عدّ لها ولا حصر ، وهذا جعلكم ممن انفتحوا على رشد الإيمان ، (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) الذين انطلقوا من الفطرة التي تلتقي بالحقيقة كلها من خلال ينابيع الصفاء والوجدان.
(فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) لا يدانيه فضل ، ولا تقترب منه نعمة ، لأنه طريق الخلاص في الدنيا والآخرة ، (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فهو الذي يعلم بمواقع الخير في فضله ونعمه ويعمّق الحكمة في كل عطاياه.
* * *