ذلك من خلال مضمونها ، أو من خلال طريقة قولها ، أو استخدام الإشارة بأسلوب يوحي بالإذلال والانتقاص. وعلى ضوء ذلك ، حرّم الإسلام السخرية التي يمارسها بعض الناس ضد بعضهم الآخر لشعورهم بالتفوّق عليهم في بعض الصفات ، أو في بعض الأفعال ، أو في بعض المواقع العامة والخاصة ، مما يتفاضل به الناس في درجاتهم وأوضاعهم ، الأمر الذي يوحي إلى صاحب الصفة الجيّدة بالعلوّ على فاقدها ، ويدفعه إلى احتقاره باعتباره الأقلّ درجة منه ، ويؤدّي به إلى السخرية والهزء به ، وهذا ما تعالجه هذه الآية.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) والتزموا الإيمان قاعدة للسلوك في الحياة والعلاقات العامة (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) في مجتمع الرجال الذين يشعرون بالفضل على غيرهم ، فيدفعهم ذلك إلى احتقار الآخرين والنظر إليهم من فوق ، وذكر صفات توحي بتحقيرهم ، سواء بقول أو إشارة أو فعل تقليد ، بحيث يحمل الآخرين على الضحك مثلا ، (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) لأن الساخر إذا كان يفضل على الآخر بصفة ، فقد يكون أقلّ منه درجة بلحاظ صفة أخرى يفقدها هو ، مما يتصف به الشخص الذي يسخر منه مما يمكن أن يرفع شأنه في الدنيا والآخرة ، ويكون مقرّبا من الله على أساسها ، فيكون قد سخر ممن هو خير منه. لذا فلا بدّ للنظرة من أن تكون شاملة لجميع الجوانب العامة والخاصة للناس ، حتى يستطيع الإنسان دراسة القيمة التي يخضع لها تفضيل شخص على آخر ، أو جماعة على أخرى.
(وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) في المجتمع النسائي (عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ) فإذا سخرت المرأة الجميلة من امرأة قبيحة ، لشعورها بالتفوّق الجمالي عليها ، فقد تكون تلك المرأة خيرا منها لجهة ما تملكه من قوة الذكاء أو الشخصية أو المعرفة العلمية ، ونحو ذلك ...
* * *