(يا أَيُّهَا النَّاسُ) الذين تختلفون في ألوانكم وقومياتكم وخصائصكم الأخرى التي تتنوع فيها ملامحكم وأشكالكم ، (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) يلتقيان في كونهما نفسا إنسانية واحدة ، ويختلفان في خصائص كل منهما الذاتية التي تتكامل وتتّحد وتتفاعل لتكوّن الإنسان الواحد الذي هو ثمرة الوحدة في التنوّع ، مما يجعل الإنسانية تمتدّ من موقع الوحدة والتمايز الذي لا يلغي الخصوصية ولكنه يوحّدها.
(وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) في ما يختلف فيه الناس من خصائصهم اللونية أو العرقية أو اللغوية ، أو خصائصهم النسبية من اختلاف الآباء والأجداد ، (لِتَعارَفُوا) ، فذلك هو الهدف الذي يجب السعي إلى اللقاء عنده والتطلع نحوه ، كغاية من غايات الوجود الإنساني المتنوّع ، مما يعني البعد عن تأكيد الذاتية وما يفصل الناس عن بعضهم البعض ، والانفتاح على الطبيعة الواحدة التي تحتضن تنوع البشر أجناسا وشعوبا وقبائل ، فالتعارف أمر إنساني غايته إغناء التجربة الإنسانية بالمعرفة والتجربة المتنوعة للوصول إلى التكامل الإنساني.
ولكن اختلاف أي جنس عن جنس آخر ، لا يعطيه ، ولأي سبب ، قيمة روحية تقرّبه إلى الله ، لأن الله هو خالق جميع الناس بكل خصوصياتهم ، فلا معنى لأن يقرّب إليه بعضهم لخصوصية معينة لم يصلوا إليها بجهدهم ، بل وهبهم إياها لتحقيق ما قضى به من تمايز بين البشر ، فالقيمة الروحية التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه ، هي التجسيد العملي للتقوى الفكرية والسلوكية ، لذلك ف (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) لأن التقوى هي حالة انفتاح روحي دائم على الله ، وإرادة التزام جديدة بأوامره ونواهيه ، وعملية تجسيد حيّ لعبودية الإنسان لربّه ، مما يجعل حركة الإنسان في وجوده سائرة في اتجاه رضوان الله ، ويوحي بالقرب الروحي منه بحيث يتطلع إلى الحصول على الكرامة الإلهية في مغفرة الله ورحمته ورضاه.
والتقوى بهذا المعنى ، هي الخط الذي يحقق للإنسان الإحساس الدائم بالحضور الإلهي في كل أعماله وأقواله ، بحيث يكون مشدودا إلى الله في كل