وهكذا ، فمن خلال المساحة الفاصلة بين الإسلام والإيمان ، قد يعيش الواقع الإسلامي مشاكل كثيرة يثيرها وجود منافقين ، يشكلون ، بعنوان كونهم مسلمين ، نوافذ يطل منها الكفر على الواقع الإسلامي ويمنحه فرصة الاطلاع على ما لا يملك الاطلاع عليه من الخارج ، وتنفيذ خطط تآمرية ضده تثير الخلل والاهتزاز والقلق والخلاف فيه ، ونحو ذلك ، مما يضعف المسيرة الإسلامية على مستوى القيادة والقاعدة ..
وفي مقابل هؤلاء المنافقين ، هناك وجود للمسلمين المؤمنين الذين يتحركون من قاعدة الالتزام الواعي الصلب الذي يعمل على تأكيد الخط الإسلامي المستقيم في مواجهة الخطوط المنحرفة التي يحركها الكفر هنا وهناك ، ليخلط وجه الحق بالباطل ، فتضيع الرؤية ، وترتبك المواقف ، وليحوّل الموقف الإسلامي في ساحة الصراع إلى جهاد مرير ومعاناة قاسية ، قد يسقط فيها الشهداء ، وتكثر فيها الجراحات ، وتشتد فيها الضغوط ، وتتعقد فيها المشاكل من قريب أو من بعيد.
(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) والظاهر أن المراد بالأعراب هم سكان البادية الذين لم يتفقهوا في الدين ، ولم يعيشوا الوعي العميق للمضمون الفكري والروحي للإسلام ، لذا كانوا يعملون على إعلان الإيمان صفة لشخصيتهم الجديدة التي يتحركون باسمها.
ولكن الله أراد لرسوله أن يفضح واقع هؤلاء الداخلي الذي يختفي وراء مظهرهم الشكلي ، ويعرّفهم الحدود التي يقفون عندها في واقعهم ، (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) لأن الإيمان يعبّر عن عمق الإحساس بالعقيدة كقناعة في جانب الفكر والشعور ، مما يتمثل في وجودكم الذهني والروحي والشعوري ، (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ، فقد أسلمتم أمركم لله ورسوله بالكلمة والطاعة ، وأوقفتم الحرب ضد الدعوة والرسالة ، وانتقلتم من مجتمع الكفر إلى مجتمع الإسلام ، وبدأتم عملية الاندماج فيه ، والمشاركة في حركته في خط المواجهة ، دون أن تستوعبوا المسألة العقيدية في قناعاتكم (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، فقد تحتاجون إلى