لأن الرأي عندهم يخضع للظن والتخمين ، دون اعتماد الأسس العلمية التي تؤدي إلى اليقين في مواقع الحوار مما يمكن أن يلتقي عليه الجميع. ولعل مكمن التناسب بين السماء ذات الحبك والتأكيد على القول المختلف ، هو أن التناسق في السماء ينبغي أن يوحي لهم باتخاذ موقف متناسق يقوم على قاعدة ثابتة ، خلافا لما هم عليه من اختلاف في مواقفهم ومواقعهم ، (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) أي يصرف عنه من صرف ويبقى عليه من بقي.
(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) الذين يبنون أحكامهم وقناعاتهم على الظنّ والحدس ، فيسيئون إلى الحقيقة ، عند ما يبعدونها عن العناصر اليقينية التي تؤكدها وتفتح عليها أكثر من نافذة. والدعاء عليهم بالقتل والهلاك أسلوب كنائيُّ للدعوة إلى سقوط مثل هذا الأسلوب في تكوين القناعات.
(الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) أي في غفلة واستغراق في الأضاليل والأوهام التي يحركونها في خيالاتهم ، فيقودهم ذلك إلى السهو عن الله وعن حقائق العقيدة ، فيتساءلون فيما بينهم ، تساؤل الحائر الذي لا يجد أمامه ما يخلّصه من حيرته ، تماما كما لو كان بعيدا عن مواقع المعرفة وهي مطروحة بين يديه ، ولكن غفلته هي التي تبعده عنها (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) كما لو كانوا لا يعرفونه ، فهم ينكرونه من قاعدة العناد والاستكبار لأنهم لا يريدون الاعتراف بالحقيقة الإيمانية الصارخة.
وتأتي الآية لتصدمهم بما سيواجهونه من حرارة نار جهنم ولهيبها ، كأنها تقول : هل هم جاهلون بهذا اليوم؟ (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) أي يختبر بالنار جوهرهم الحقيقي كما تختبر جودة المعدن في النار ، وهو وارد على سبيل الكناية للتعبير عن الإحراق والتعذيب ، (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) أي ما يخصكم من العذاب ، (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) في ما كنتم تتحدثون عنه بطريقة السخرية والاستهزاء.
* * *