مع هذا التنوع في مشاهد الأرض وأوضاعها ، من وهاد وبطاح ، ووديان وجبال ، وبحار وبحيرات ، وأنهار وغدران ، وقطع متجاورات ، واختلاف طبائع هذه الأشياء في جمالها وأوضاعها ، وحاجة الحياة إليها في تكامل الوجود إلى خصائص الموجودات ، فإنها مهما اختلفت ، إلّا أن في داخل كلِّ منها سرا يوحي بوجود حكمة في مواقعها ، مما يؤكد لأصحاب الذهنية الواعية أن هناك خطّة مبدعة دقيقة ، متصلة الأجزاء ، موصولة الحلقات ، متعددة المواقع ، بحيث لا مجال للصدفة في كل ظواهرها ومظاهرها وأعماقها ، فلا بد من أن يكون هناك قوّة خالقة حكيمة بديعة وراء ذلك كله ، وهي قوة الله الذي أبدع كل شيء وأعطى كل موجود خلقه ، وأودع فيه سرّ الحكمة والتدبير ، الذي يستلهمه أهل اليقين في صفاء الفكر والروح والوجدان ، (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) كل هذا النظام العجائبي المتقن في هذا الجسد المحدود الذي يشتمل على أجهزة معقّدة يمثل كل واحد منها نظاما مستقلا يتكامل مع أنظمة أجهزة الجسد الأخرى ، سواء ما كان متعلقا بالجانب المادي منها أو بالجانب الروحي ؛ فكيف تتم عملية الهضم والامتصاص ، وعملية التنفس ، ودورة الدم في القلب والعروق ، والجهاز العصبي وتركيبه وإدارته للجسم ، والغدد وإفرازها وعلاقتها بنموّ الجسم ونشاطه وانتظامه ، وتناسق هذه الأجهزة وتعاونها ، وانسجامها الكامل الدقيق ، وعملية التفكير واختزان المعلومات وتحريكها وتنسيقها وإدارتها والخروج منها بنتيجة جديدة وبعلم جديد ، وانطباع الصور في الذاكرة ، وبروزها عند الحاجة ، والمساحة التي يأخذها كل هذا العالم الفكري الواسع ، المتنوع المفردات والأوضاع والأسرار من هذا الجسد؟؟
ثم عملية التناسل والتوالد وقانون توارث خصائص الآباء والأجداد ، ضمن خلية واحدة تحمل أسرار ذلك كله ، فكيف حدث هذا ، ومن الذي أبدع السرّ في داخله؟
ثم تنوّع خصائص البشر ألوانا وأشكالا وطاقات عقلية وجسدية ، واستقلال كل مخلوق منهم في خصائصه بحيث لا يلتقي فرد مع فرد آخر فيها ،