عظمة الخالق ، فيرتبط به ، ويلتزم بهداه ، ويتحرك مع رسله في خط رسالاته على أساس الوعي ، في ما هي حركة الحسّ وتحليل الوجدان ، لأن الله لا يريد للإنسان أن يؤمن إيمانا أعمى ، كما لا يريد أن يكفر على أساس التقليد والهوى الذاتي.
(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) أي بقوّة تملك سر الإبداع ، ودقة الصنعة ، وقوة الإمكانات ، وروعة الصورة ، وتناسق المواقع ، (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) قيل : إن كلمة «لموسعون» من الوسع وهو الطاقة ، ومعناها : لقادرون كما في تفسير الكشاف (١) ، وقد يكون معناها القدرة على الإنفاق من موقع السعة ، وربما كانت تعني اتساع الرزق بالمطر ، وقيل : إن المراد بها ، جعلنا بينها وبين الأرض سعة ، وهناك نظرية حديثة تقول بإمكانية اتساع السماء بطريقة ما.
ولعل الأقرب إلى الذهن ، هو أنها تتحدث عن قدرة الله المتحركة في ساحة نعمته ، مما يوحي بأن الله هو من يملك القدرة التي بنى بها السماء وأرادها مصدرا للنعمة على خلقه ، وربط بينها وبين الأرض ، في ما تحتاجه لاستمرار المخلوقات الحية والنامية والجامدة فيها من شمس ومطر وما إلى ذلك. فإذا كان الله قد أكد النعمة من ناحية المبدأ ، فإنه قادر على توسيعها من ناحية التفاصيل.
(وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) أي مهّدناها وسهّلنا سبل الحياة فيها بمستوى يوفر لكل المخلوقات الحية ـ وفي طليعتها الإنسان ـ راحة العيش واطمئنانه ، لما أودعه الله فيها من عناصر تتوقف عليها الحياة في باطنها وظاهرها ، وفي جميع مفرداتها الحية وغير الحية ، مما يجعل كل شيء يتغذى ويستعين بشيء آخر ، وبذلك تكون كلمة التمهيد كناية عن تسهيل العيش براحة طبيعية ، (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) نحن ، مما يفتح للإنسان نافذة للتفكير بعلاقة حياته بالله وارتباطها به ، بحيث
__________________
(١) انظر : تفسير الكشاف ، ج : ٤ ، ص : ٢٠.