خصوصية لهؤلاء ، بل المسألة مسألة الكفر الذي يفقد الحجة على مضمونه الفكري ، كما يفقد الرّد على مضمون الرسالة وموقف الحق في شخصية الرسول ، فيعمد أهله إلى توزيع الاتهامات بطريقة غير مسئولة.
وهكذا تمتد رحلة الكفر التاريخي في مواجهة الإيمان تاريخيا في رسالات الله (ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ليبطلوا تأثيره في النفوس ، معتمدين في ذلك على تفكير الجماهير السطحي الذي يجعل قناعاتهم محكومة للشائعات دون تعمق في مناقشة الأمور ودراسة نقاط ضعفها وقوّتها ، مما يسهل على الفئات المضادة الوصول إلى ما تريد دون أن تهتم بواقعية التهمة ومدى انسجامها مع حقيقة الشخص الذي توجّه إليه ، لأن المهم لديها هو إشغال الناس بأيّة وسيلة عن التفكير بالرسالة والرسول ، لإثارة الضوضاء التي تسلب الفكر الصفاء الذي يطل به على الحقيقة المشرقة.
(أَتَواصَوْا بِهِ) على ترداد مقولة واحدة التقى بها الأولون بالآخرين ، مما جعل كل جيل يوصي الجيل الآخر بالوقوف ضد الرسالات والرسل في كل عصر ومصر ، (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) فليست المسألة مسألة إرث الوصية ، بل هي طبيعة الطغيان التي تملي على كل طاغية في زمانه استخدام هذا المنطق الذي يعبّر عن رفض الحقيقة ، والهروب منها ، باللجوء إلى أسلوب الاتهام غير المسؤول الذي يراد به إشغال الناس عن الرسالة. ولكن منطقهم ذاك لن يصل إلى أيّة نتيجة عملية ، فلن يتراجع النبي عن موقفه في إبلاغ الرسالة ، وعن إصراره عليها وثبات موقفه منها ، كما لم يتراجع الأنبياء من قبله. هذا ما يريد الله أن يبلّغه للنبي ليتخذ الموقف الصامد الذي لا يخضع لنقاط الضعف ، ولا يهتز أمام تهاويل الخوف (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) وأعرض عن كل أوضاعهم وأساليبهم ومواقفهم ومواقعهم.
(فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) في ما واجهوك به من تكذيب ، وما أعلنوه من رفض للتوحيد وللإيمان ، لأن دورك هو الإبلاغ والتذكير والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.