وجوده ، بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة ، (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) أي اجعلني أعيش وعي النعمة ، إلهاما روحيا ، يلزمني بمسؤولية الشكر لك قولا وفعلا يلتزمان سبل ومواقع وغايات رضاك ، وبما يحولها إلى طاقة حيّة منفتحة على مواقع القرب منك والحب والصدق لك ، (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) ، فالإيمان بالله والاعتراف بنعمته يفرض عمليا على الإنسان الذي يتطلع للحصول على رضاه ، أن يؤدي في حياته العمل الصالح ، وأن يربي أولاده من بعده على الإيمان والعمل الصالح.
(وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) ووفِّقهم إلى العمل الصالح ، وإلى الروحية التي تجعل الصلاح حالة عميقة داخل نفوسهم وخط سير وممارسة ، ونهجا في الفكر والعلاقات ، ليشكّلوا الوجود الفاعل داخل المجتمع الصالح ، والتمرد على المجتمع الفاسد. هذا هو الطموح الإيمانيّ الذي يعيشه المؤمن كأب في نظرته إلى الذرية ، من حيث كونها امتدادا للوجود في المستقبل ، فليست مجرد حاجة ذاتية يزهو بها الإنسان ، بل هي شعور بالمسؤولية في امتداد الصلاح في أولاده ، من خلال مسئوليته عن خط الصلاح في حياته. وبذلك تمتزج نزعة الإنسان الغريزية في حبّ الأولاد كحاجة ذاتية ، بالنظرة الرسالية للدور الذي يريد لهم القيام به في الحياة من بعده.
(إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) من كل المعاصي التي عملتها ، ومن كل خطوط الانحراف التي سرت فيها ، توبة العقل من كل ما لا يرضيك من فكر ، وتوبة القلب من كل ما يسخطك من عاطفة ، وتوبة الموقف من كل ما يبعدني عن خطّك المستقيم ، ومن كل تخطيط لا تريده للمستقبل ، (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الذين أسلموا كل حياتهم لك ، فعاشوا الانتماء إليك وحدك ، ورفضوا كل انتماء إلى الآخرين إلّا من خلالك ، فليس الإسلام عندهم مجرد صفة يحملونها ، ولكنها حياة يتجسدها الفكر والقلب والموقف والعلاقات ، والإسلام بهذا المعنى هو الذي يطبع شخصية المسلم ، ويفصل بينه وبين الانتماءات الأخرى ،